الأحلام الكبيرة تحتاج إلى إيمان صغير

 

 

 

صالح بن سعيد الحمداني

 

نعم، الأحلام الكبيرة تحتاج إلى إيمان صغير بأنك تستطيع تحقيقها… وإنك قادر بفضل الله وعزيمتك وهمّتك وإرادتك... وهذا الإيمان هو الشرارة الأولى للانطلاق والسمو والبلوغ إلى الهدف المراد.

ففي زحمة الحياة، حيث تتصارع التحديات مع الطموحات، يظل الإنسان كائنًا حالمًا بطبعه يسعى وراء فكرة، أو مشروع، أو هدف يرى فيه انعكاس ذاته ومستقبله.

كثيرًا ما نسمع قصص النجاح التي بدأت من نقطة بسيطة، ومن فكرة خطرت على البال، أو من موقف عابر أشعل جذوة الحلم في قلب صاحبه، ولكن ما يغيب عن الكثيرين هو أن الحلم الكبير لا يحتاج في بداياته إلى إمكانيات هائلة أو إلى تلك الظروف المثالية؛ بل يكفي أن يتكئ على إيمان صغير بقدرتك على تحقيقه. هذا الإيمان البسيط، الذي قد يبدو هشًّا في نظر البعض، هو الشرارة الأولى التي تضيء الطريق نحو إنجازات عظيمة.

فالإيمان الصغير والبسيط… هو نقطة البداية والانطلاق؛ فحين نتحدث عن الإيمان هنا فنحن لا نعني الإيمان الديني بالضرورة -لأنه أساس لكل خير في الحياة- بل ما نعنيه في حديثنا هو الإيمان بالذات، والقدرة على تجاوز العقبات، والثقة بأن المحاولة ليست عبثًا، وإن معظم النجاحات العظيمة في التاريخ الإنساني بدأت بإيمان صغير: إيمان المخترع بأن فكرته قد تغيّر العالم، إيمان الطالب بأنه قادر على التفوق رغم الظروف، أو إيمان رائد الأعمال بأن مشروعه البسيط قد يتحول إلى مؤسسة عملاقة.

إن الشرارة الأولى لا تُرى عادةً بالعين، لكنها تُحس في القلب، هي تلك اللحظة التي يقرر فيها الإنسان أن يغامر بخطوة أولى، أن يتحدى واقعه، أن يؤمن بأن المستحيل ليس سوى كلمة، وبأن الإرادة قادرة على إعادة صياغة الحدود.

ويجب أن نكون على قناعة تامّة بأن الحلم الكبير ليس حلمًا ساذجًا ولا ضربًا من الخيال... فكثيرون يخلطون بين "الحلم الكبير" والوهم. إن الحلم الكبير ليس مجرد خيال عابر أو أمنيةٍ تطير في الهواء بلا أساس، بل هو فكرة تملك مقوّمات النمو إذا احتضنها الإيمان، وصقلتها الجدية، وتغذّت بالعمل الدؤوب.

الأحلام الكبيرة تُلهم أصحابها، لكنها في الوقت ذاته تُرهقهم بالمسؤولية؛ فمن يحلم بحياة أفضل لبلده مثلًا عليه أن يستعد للعمل في خدمة المجتمع لا أن يكتفي بالكلام، ومن يحلم بالوصول إلى قمة مهنته عليه أن يتدرج بصبر ويتعلم من الفشل قبل النجاح.

وإذا أمعنّا النظر في واقعنا، سنجد أن قصص النجاح، سواء على المستوى العالمي أو المحلي، تزخر بأمثلة حيّة تؤكد أن الشرارة الأولى لكل إنجاز عظيم تبدأ بإيمان صغير، فلا مستحيل إلا المستحيل ذاته، وكل فكرة تحمل في جوهرها بذرةً يمكن أن تنمو وتغدو حقيقة راسخة بالعزيمة والإرادة والإصرار.

ولو حاولنا أن نستعرض هذه القصص لما وسِعنا المقام، لكن يكفي أن أدعوك لتتأمل من حولك؛ فالنماذج الملهمة ليست بعيدة، بل هي قريبة منّا في مختلف المجالات والمستويات، ولسنا بحاجة إلى الاكتفاء بما اعتدنا سماعه عن العلماء والمخترعين فحسب، بل يمكن أن نجد في محيطنا أشخاصًا بدأوا من لا شيء تقريبًا: متجر صغير، أو فكرة بسيطة تطوّرت فأصبحت حلمًا في واقع، أو خطوة متواضعة… لكنهم امتلكوا ذلك الإيمان الصادق الذي دفعهم إلى المضيّ قُدمًا رغم قلة الموارد، فصنعوا لأنفسهم مكانًا وأثرًا يستحق أن يُروى.

بين الأمل والعمل يقع نور التوكّل والسعي والطموح، وتكمن الإرادة، وقد يظن البعض أن مجرد الإيمان بالحلم كافٍ لتحقيقه، لكن الحقيقة أن الإيمان هو بداية الطريق فقط؛ فهو الشرارة، بينما الوقود الحقيقي هو العمل المستمر والتعلّم من التجارب والاستفادة منها. إن الحلم بلا خطة، والإيمان بلا جهد، يتحولان إلى مجرد أمنيات تظل في الخيال عالقة.

ولذلك فإن الذين نجحوا لم يكتفوا بالقول: "أنا أستطيع"، بل قرنوا هذه الثقة بالعمل الجاد؛ فالإيمان أعطاهم الجرأة ليبدأوا، والعمل منحهم القدرة ليستمروا.

ومن خلال نقاشات وحوارات، يسأل البعض: لماذا يخاف بعض الناس من الحلم الكبير؟

شخصيًا، أرى أن الخوف من الفشل هو العدو الأول للأحلام، وقد كتبت عن ذلك مقالًا منذ فترة. فكثيرون يقتلون أحلامهم بأيديهم قبل أن تبدأ، لأنهم يظنون أنها أكبر من طاقتهم أو أن الظروف أقوى منهم، لكن الحقيقة أن معظم الناجحين مرّوا بمحطات فشل؛ بل إن الفشل أحيانًا يكون هو المعلّم الأكبر الذي يصقل الخبرة. الإيمان الصغير هنا يلعب دوره الحاسم؛ فهو الذي يهمس لك: "جرّب مرة أخرى… لا تستسلم الآن".

هل للمجتمع دور في تعزيز الإيمان؟

سؤال مهم يخطر ببال البعض؛ فلا يمكن أن نغفل أن البيئة المحيطة قد تكون عاملًا مساعدًا أو محبطًا. مجتمع يشجّع على التجربة ويحتفي بالمبادرة سيولّد أجيالًا حالمة مؤمنة بذاتها، أمّا مجتمع يزدري الأفكار الجديدة ويحتقر الفشل فسيدفن الكثير من المواهب قبل أن ترى النور. وعندما أقول المجتمع فإنني أعني بذلك جميع المستويات، ابتداءً من الفرد وصولًا إلى المستوى المؤسسي.

لذلك من واجب المؤسسات التعليمية والإعلامية أن تنشر ثقافة الحلم، وأن تزرع في الأجيال الإيمان بأن المحاولة لا تقل قيمة عن النجاح نفسه، ويجب علينا كأفراد في مجتمعنا أن نسعى ونبذل ونؤمن بأن الغد قادم، وأن كل يوم تشرق فيه الشمس يُبدّد الظلام ويعمّ النور، وتتجدد الآمال والطموحات، ومعها نحقق كل ما سعينا لأجله.

أؤكد في ختام حديثي أن الأحلام الكبيرة لا تُبنى في يوم وليلة، ولا تتحقق بضغطة زر، لكنها تبدأ دائمًا بخطوة صغيرة، بخيط رفيع من الإيمان الصادق، هذا الإيمان قد يكون بسيطًا إلى حد أن يستهين به البعض، لكنه في الحقيقة هو ما يفصل بين من يعيش حياة عادية ومن يصنع فرقًا.

فلننظر إلى أحلامنا بعين مختلفة، لا كأحمال ثقيلة نخشى أن تعجز أكتافنا عن حملها، بل كمسارات مضيئة تنتظر أن نشعل شرارتها الأولى.

تذكّر دائمًا أن الإيمان الصغير بأنك تستطيع هو البداية… البداية... البداية، أما ما يأتي بعده فهو رحلة تستحق أن تُعاش بكل تفاصيلها.

الأكثر قراءة