صالح بن سعيد الحمداني
فخ الحزن ذلك الزائر الثقيل على القلب الذي يأتي دون دعوة ولا سابق إنذار في زحمة الحياة حين نكون بين مطرقة الظروف وسندان التحديات والمتغيرات؛ حيث الكثيرون يسقطون في فخ الأحزان، ويأخذ منا الكثير دون أن يمنحنا أي شيء، ويستقر دون استئذان، ومع كل يوم يمر تزداد الحاجة إلى تذكير أنفسنا بحقيقة بسيطة وعميقة نحن بحاجة لها" "ابتسم، فالحزن يأخذ منك أشياء كثيرة ولا يأتيك بأي شيء".
الحزن حالة طبيعية لكل إنسان، ولا يمكن لأحد منا أن ينكر أن الحزن شعور إنساني طبيعي، وأحيانًا قد يكون ضرورة عاطفية يمر بها للتعبير عن الألم أو الخسارة، لكنه في الوقت ذاته إذا استقر طويلًا في النفس، فإنه يتحول من ذلك الشعور إلى حفرة مظلمة، ويتحول إلى ثقل على النفس وعبء على الجسد وسرقة للفرح وسجن للروح.
الحزن عندما يستقر في الأعماق لا يضيف شيئًا لحياتك؛ بل إنه يسحب منك أشياء كثيرة: نظرتك للأشياء، طاقتك، شهيتك، ويسرق النوم من عينيك، وحتى علاقاتك بمن حولك تتأثر. يجعلك الحزن تنظر للحياة بتشاؤم وبعين ضبابية، فتفقد من حياتك الشغف وتنسحب من مواقف كنت فيها ستنتصر لو أنك فقط ابتسمت بدلًا من الاستسلام لذلك الحزن الأسود بداخلك.
الابتسامة ذلك السر العجيب الذي لا يترك للحزن مكانة، لأنها ليست مجرد حركة عضلية بالوجه عابرة؛ بل هي موقف من الحياة يرسم ويعيد الأمل، ومقاومة هادئة للحزن واليأس، وقوية لأنها قرار واعٍ بأن لا ندع الظروف تنتصر علينا؛ بل نحن من ينتصر، وأن نحتفظ بأملنا رغم كل ما نعانيه من تحديات وظروف وخيبات أمل.
الابتسامة دائمًا تعيد التوازن النفسي والعاطفي للنفس، وهي مثل بصيص نور وضوء صغير في غرفة مظلمة قد لا يبدد كل الظلام، لكنه يساعدك على رؤية الطريق.
علميًا وجدوا أن الابتسامة تحفّز إفراز هرمونات السعادة مثل "الإندورفين" و"السيروتونين"، وهي تقلل من مستويات التوتر والقلق في الإنسان، وهي لا تُحسن حالتك النفسية فقط، لكنها تنعكس على من حولك فتمنحهم بدورهم طاقة إيجابية، والأجمل أن الابتسامة لا تكلف شيئًا كما الحزن، ولكنها تمنح الكثير مثل محبة الناس وراحة النفس والقدرة على المواصلة، وهي جسر يربطك بالأمل مهما كان الطريق وعرًا.
البعض قد يقول لي: كيف لنا أن نبتسم ونحن غارقون في مشكلات العمل؟ ويقول الآخر: إنه متألم من فقدان شخص عزيز. بينما ثالث محطم بسبب خيبة أمل. إن الإجابة بلا شك أن الابتسامة لا تعني لنا إنكار الألم وعدم الإحساس به؛ بل علينا مواجهته بإيمان راسخ ويقين صادق، فذلك ليس سذاجة ولا تجاهلًا؛ بل من الشجاعة أن تقول لنفسك: "لن أسمح للحزن بأن يأخذ مني أكثر مما أخذ".
وهنا يتبادر للذهن سؤال: ماذا يأخذ الحزن منا؟ الحزن والهم لا يكتفيان بسرقة المشاعر الجميلة والإحساس المرهف؛ بل يتعديان ذلك إلى التأثير على الجسد والصحة النفسية التي تتقلب بأسبابهما. فهناك العديد من الدراسات العلمية التي أثبتت أن الحزن المزمن يؤدي إلى اضطرابات في النوم ويخطف الراحة، ويسبب ضعف الجهاز المناعي وحتى أمراض القلب. ويصعب كسر الحزن عندما يصبح عادة وتتحول الحياة إلى دوامة من السلبية والإنهاك المستمر.
الحزن يستهلكك من الداخل ويحطم المعنويات، لدرجة تجد نفسك في يوم ما وقد خسرت كل شيء: من راحة البال، وطموحاتك التي تحلم بها، وحتى رغبتك في الحياة. فأسوأ ما في الحزن أنه لا يغير شيئًا، ولا يداوي جرحًا، ولا يعيد غائبًا، ولا يصلح خطأ، ولا يُعالج مشكلة.
هناك الحقيقة التي يجب أن نؤمن بها جميعًا ونتمسك بها، وهي أن لا أحد يمكنه أن يعيش دون لحظات حزن ولا دون منغصات الحياة، كما لا يمكن أن نجد أحدًا محصنًا من الخسائر والخذلان. لكن الفرق بين شخص وآخر نجده يكمن في كيفية التعامل مع هذا الزائر الثقيل (الحزن). البعض يحوله إلى دافع للنهوض من جديد واضعًا ابتسامة على وجهه حتى وإن كانت مبللة بالدموع، والبعض الآخر يسمح له بأن يهدمه ويشتت فكره فيضيع فيه. إن دروس الحياة لا تُمحى بالحزن، بل تُفهم بالرضا. وهناك كثير من قصص العظماء والفنانين والناجين من الأزمات الكبرى لم تكن يومًا حياتهم مثالية، لكنهم اختاروا ألا يسكنهم الحزن، وأن يجعلوا من الابتسامة سلاحهم في وجه الألم. رأينا أن الابتسامة كانت هي الحبل الذي تمسكوا به وسط الغرق.
من المهم جدًا أن نتعلم كيف نحول الحزن إلى درس لا إلى سجن. يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا يمكننا أن نتعلم مما حدث؟ كيف نكون أقوى؟ كيف أعيش دون أن أسمح للألم أن يشوه نظرتي للحياة ويسلبني أملي وابتسامتي؟ وهنا يأتي دور الرضا والقبول والإيمان بأن ما مضى مضى، وما هو آتٍ لا زال قابلًا للأمل.
ختامًا نقول: ابتسم لا لأن الحياة دائمًا لا تشوبها شائبة وأنها دائمًا جميلة؛ بل لأنك تستحق أن تراها كذلك حتى وسط العواصف. فلا تسمح للحزن بأن يسكنك طويلًا فيدمر ذاتك ويشتت أفكارك، فهو لا يحمل لك شيئًا سوى الألم، في حين أن الابتسامة تفتح لك نوافذ النور.
ضع الابتسامة قرارًا يوميًا، واجعل رسالتك لنفسك وللعالم أنك أقوى من الانكسار، وأنك لا زلت وستظل تؤمن بأن الخير قادم، وأن في كل يوم حقيقة لك فرصة جديدة لبداية أفضل.