حين يتغير الحال

 

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

 

لا شك أن الضيق النفسي والقلق والانزعاج أكثره يأتي من عدم توفر المال أو وجوده قليلًا، بما لا يكفي لتلبية الاحتياجات اليومية الضرورية للفرد والأسرة لمن يعاني من ذلك.

ومن حق الإنسان في هذه الحالة أن يتضايق ويقلق وينزعج، ولكن إلى مستويات معتدلة بحيث لا يفقد فيها اتزانه النفسي، بما يسمح له بالتفكير العقلاني وإيجاد حلول لتدبير أموره يومًا بعد يوم. فلا تنعدم الوسائل في هذا المجتمع طالما للإنسان عقل يفكر به، وإذا لم يجد منفذًا لمشكلته؛ فالصبر على شدائد الأيام إلى غدٍ تُفرج فيه الأمور.

ومن المؤكد أن "المال عصب الحياة"، والنقود -لا غيرها- هي التي تتكفل بالمصاريف في الرعاية المادية للعائلة، ودفع إيجار السكن، وتسديد الأقساط البنكية، ودفع فواتير الكهرباء والماء، وشراء مواد التموين المعيشية للبيت، وأمور كثيرة ومتنوعة لا يحلها إلا المال.

وما إن يصل الراتب الشهري إلى الحساب البنكي للموظف، حتى تتناهشه المتطلبات المعيشية من كل حدب وصوب، كلٌّ يريد أن يقضم منه قضمة، إلى أن يتم القضاء عليه قبل أن ينتهي الشهر، ليأتي الشهر الآخر على نفس المنوال!
هذا حال من لديه وظيفة يستلم منها راتبًا شهريًا، فماذا عمن هم باحثون عن عمل أو مُسرَّحون ليس لديهم عمل؟!

الوضع بالنسبة لهم أصعب وبحاجة إلى حلول سريعة للتخفيف مما هم عليه وانتشالهم مما هم فيه، لكن هذا لا يعني أن على هؤلاء أن يكونوا في هذه الأثناء خائبين عاجزين مُحبَطين يائسين.

لا يجب أن ييأسوا من رحمة الله، وإذا أصابتهم الضائقة المالية؛ فليصبروا وليثبتوا بشجاعة أمام الشدائد، لكي لا يهزهم التوتر والقلق والإحباط ويصل بهم إلى مستويات عالية من الاضطراب تُسبب لهم الاكتئاب والانعزال والأمراض المزمنة؛ لأنهم بذلك يُعرِّضون حياتهم لأخطار صحية بما لا يُحمد عقباه.

وماذا يفيدهم ذلك إذا مرضوا؟! سيزداد وضعهم إلى الأسوأ، وستتصاعد الحالة من مشاكل مالية صعبة إلى مشاكل مالية وصحية أصعب، وإذا حصل وانفرجت أزمتهم وتعافوا من الضائقة المالية -وهذا وارد- فلن يسلموا مما رموا أنفسهم فيه من أمراض مزمنة بالقلق والتوتر والإحباط الشديد المستمر، حين لم يروا بصيص أمل واضحًا للعيان وهو قريب.
فالهدوء والرضا والتكيف بما قسم الله، وإن بعد العُسر يُسرًا، وبعد الشدة يأتي الفرج إن شاء الله. والأمل بالله كبير...

وهناك قصة في القرآن الكريم في سورة يوسف تنير الطريق وتحيي الأمل، وهي رؤيا أحد الملوك حين قال: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" (يوسف: 43).

وقام النبي يوسف عليه السلام بتفسير رؤيا الملك بما معناه: بعد السنوات العجاف الصعبة سيأتي الفرج والغيث والثمر والطمأنينة.

وهكذا حال الدنيا متغيِّرة لا تبقي على حال، فلا يجب أن نفقد الأمل مهما حصل، فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حالٍ إلى حال، وأي صعوبات وشدائد قد تزول في لحظات وتنجلي الغُمَّة، وهناك دائمًا فرصة للتغيير للأفضل.

وقد قال الإمام الشافعي: "ضاقت.. فلما استحكمت حلقاتها، فُرِجَت وكنتُ أظنها لا تفرج".

الأكثر قراءة