سالم بن حمد الساعدي
في خضم الحديث المتسارع عن التنمية، كثيرًا ما تنشغل العناوين بالأرقام وتتصدر المشاريع واجهة الأخبار، بينما يظل السؤال الأهم غائبًا: هل شعر الإنسان فعلًا بأثر هذه التنمية؟
التنمية في جوهرها لا تقاس فقط بطول الطرق ولا بعدد المباني ولا بحجم الميزانيات المصروفة، بل بمدى انعكاسها الحقيقي على حياة الناس اليومية وعلى شعورهم بالعدالة والكرامة وجودة العيش.
إن التنمية ليست سباقًا في الإنجاز ولا سبورة تكتب عليها أرقام المشاريع المنجزة بقدر ما هي مسار واعٍ طويل النفس يتطلب قراءة عميقة للاحتياجات وفهماً دقيقاً للواقع الاجتماعي والاقتصادي وموازنة حكيمة بين الطموح والإمكانات؛ فالمشروع الذي لا يختصر على المواطن مُعاناة ولا يحل مشكلة قائمة ولا يضيف قيمة ملموسة إلى حياته يبقى مشروعاً ناقص الأثر مهما بلغت كلفته أو جمال تصميمه.
وحين تبنى المشاريع دون أن تبنى معها الثقة المجتمعية أو دون أن يصغى لصوت الإنسان البسيط، فإنِّها تفقد جزءا كبيرا من قيمتها حتى وإن بدت متكاملة من حيث الشكل.
فالتنمية التي تفرض من الأعلى دون مشاركة حقيقية من المجتمع، قد تنجح إدارياً لكنها تفشل إنسانيا لأنَّ الإنسان لا يشعر بأنها تعبر عنه أو تمس احتياجه الحقيقي.
إن الإنسان هو محور أي تنمية ناجحة وهو الغاية قبل أن يكون وسيلة. وحين يشعر المواطن أن المشروع جاء ليخدمه فعلياً ويخفف عنه عناء الطريق أو يقرب له خدمة أساسية أو يحسن من بيئته المعيشية، فإنِّه يتحول تلقائيا إلى شريك في حمايته واستدامته لا مجرد متلقٍ ينتظر ما يقدم له؛ فالشعور بالانتماء للمشروع هو الضامن الأول لنجاحه على المدى البعيد.
وفي المحافظات والولايات البعيدة عن المركز تتجلى الحاجة بصورة أوضح إلى تنمية متوازنة لا تقاس بالمقارنة مع غيرها؛ بل تقاس بمدى تلبيتها لاحتياجاتها الفعلية.
فالتنمية العادلة لا تعني توزيع المشاريع بالتساوي حسابيا وإنما توزيعها بعدالة واقعية تراعي الجغرافيا والكثافة السكانية وطبيعة النشاط الاقتصادي ومستوى الخدمات القائمة والفجوات التنموية القائمة منذ سنوات. كما إن نجاح أي مشروع لا يكتمل دون تكامل الأدوار بين الجهات الرسمية والقطاع الخاص والمجتمع المحلي.
التنمية التشاركية لم تعد خيارًا تجميليًا؛ بل أصبحت ضرورة حتمية لأنها تُقلِّل من الهدر وتعزز كفاءة الإنفاق وتضمن أن يصل الأثر إلى مستحقيه وتخلق شعورًا عامًا بالمسؤولية المشتركة.
إننا اليوم في مرحلة تتطلب إعادة تعريف مفهوم التنمية ليس باعتبارها إنجازا يعلن في المؤتمرات؛ بل كأثر يعاش في تفاصيل الحياة اليومية.
تنمية يشعر معها الإنسان أن صوته مسموع وأن احتياجه مفهوم وأن مستقبله جزء أصيل من التخطيط لا نتيجة عرضية له.
وحين نصل إلى هذه القناعة نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح نحو تنمية تصنع الإنسان قبل أن تصنع المشروع وتبني الثقة قبل أن ترفع الخرسانة وتترك أثرًا في الوجدان قبل أن تترك بصمة في الأرض.
