أكُنت شيئًا بلا هذا الكرسي؟!

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

لا قيمة لمنصب يتقلده متكبر سيئ الخلق فهو لا يضيف للمنصب اعتبارًا؛ بل ينتقص من شأنه وشأن الكرسي الذي يجلس عليه ومن أولوه هذا المنصب.

ويمكن النظر إلى هذا المتكبر بأنَّ لديه بعض العقد النفسية الدفينة ويغذي عقده بالتقليل من شأن الآخرين وإهمالهم والكيد لهم أحياناً وعرقلتهم ليشعر بتفوق مكانته الوهمية. ومن المناسب تجنب- قدر الإمكان- التعامل مع مثل هؤلاء وتجاوزهم إلى غيرهم، ولكن ماذا يحدث لو تجنبت هذه النوعية في تعاملك؟! على الأرجح لا يحدث شيء ولا يؤثر ذلك عليك؛ فكل مسؤول تتجنبه، هناك مسؤول آخر يمكن التعامل معه كما إنَّ القانون هو الذي يسري، وليست آراء الفرد؛ فهو مجرد أداة لتطبيق القانون فإذا عرقل أو أخلَّ أحدهم بالقانون أو تمادى بالتصرف، يمكن الشكوى ضده لردعه.

وهكذا فلا يوجد هناك مسؤول مهم بذاته؛ بل هناك أفراد تم تعيينهم لإجراء اللازم حسب الأنظمة والقوانين المتبعة والتوجيهات.

ولكن البعض يثير حوله "البرستيج" معتقدًا بأنَّ هكذا الناس تحترمه أكثر، ويضيف بذلك مهابة على شخصيته وأهمية زائفة. لكن الناس أصبحوا مدركين أنَّ هذا المسؤول مجرد يتلقى التوجيهات والتعليمات ثم يمررها للموظفين للتنفيذ، وهكذا هو دوره في أكثر الأحوال، ولكن تجده معلقًا على باب مكتبه ذاك المسمى الوظيفي الكبير وبالداخل الخواء.

ومع ذلك ثمة من يتضخم ويتنطع بموقعه الوظيفي فلا يبتسم ولا يسلم ولا يدخل في حوارات مع الموظفين، ولا يخالطهم ليستمع إليهم، ولا نعرف ماذا أوصله إلى هذا؟!

ولكن ما نعرفه أنَّ خيركم من بدأ بالسلام، وليس هناك أجمل من البساطة والتواضع والهدوء والتعامل الحسن مع الآخرين فهذا الذي يبقى؛ فالدنيا بسيطة لا تستأهل كل هذا التعنُّت والغرور والنفخة الكاذبة، والدنيا قد تطيح بك في أي لحظة لتؤدي بك إلى عتمة المجهول.

وإذا كنت تعتقد أنك عالي الوظيفة مترفع بمنصب دون الآخرين تنظر إليهم بدونية؛ فالغرور مهلكك، ولتأذن بنهايتك، فقرار يرفعك وقرار ينزلك، وأنت على هذا الكرسي لست إلّا موظفًا في خدمة الناس تتلقى راتبًا شهريًا، ولست موجودًا للتفاخر والتكبر أو تجاهل من يأتي لطلب الخدمة وإغلاق الأبواب دونهم. وإن كنت لا تعلم فتلك مصيبة وإذا كنت تعلم؛ فالمصيبة أعظم!

وهكذا ترى بعض هؤلاء من لديهم منصب يبنون حياتهم وهويتهم وشخصياتهم على هذا المنصب، ويصبح كرسي الوظيفة جزءًا منهم مُلاصِقًا لهم في الدوام وخارج الدوام وفي صوتهم ومشيتهم وحركاتهم ونظراتهم.

أما إذا عُزل أحدهم فتصيبه حالة من الصدمة والانكسار الداخلي تترك فيه صدعًا غائرًا في نفسه لا يندمل وتراه وكأنه تائهٌ! ويشعر أنَّ ما كان معتمدًا عليه من مكانة منصبه للوجاهة الاجتماعية والتفاخر يراها فجأة تبخرت وتلاشت والمجتمع تغير تعامله معه، فيصبح باهتًا مُنطفئًا رهن الإهمال، ويؤلمه السؤال الذي يتردد في ذاته، أكنتَ شيئًا بلا هذا الكرسي؟! لأن هذا المسؤول ربط نفسه بما حاز من منصب، وحين انهار المنصب، شعر بأنَّه فقد الأرضية التي يقف عليها.

والإنسان الذي تعود أن يتكئ على المنصب لا على نفسه، يصبح ضائعًا حين يغيب الكرسي؛ لأنه كان قائمًا على مسند مؤقت لا على قيمة ثابتة في ذاته؛ فينغلق على نفسه ويتفادى المشاركة في المناسبات الاجتماعية العامة، لأنه يرى الإهمال من الآخرين حين يحضر، ويتم تقديم غيره من الحضور عليه، ولا يُلتَفَت إليه كما كان في السابق؛ فيصاب بالإحراج، بينما هو لم يتغير كشخص، لكن وظيفته تغيَّرت.

وقد كان في السابق يُزاحم على الصفوف الأمامية للجلوس، ويتخطى الرقاب مرفوع الرأس بعنجهيةٍ، معتقدًا بأنَّ مستوى وظيفته يُتيح له ذلك!

وكذلك بعض المنافقين والمجاملين وأصحاب المصالح الموهومين كانوا يعززون ذلك فيه، يهرعون للسلام عليه وتقديمه، أما الآن إذا حضر، يلتفتون إلى الجانب الآخر، ويأتي هو بترددٍ وينتبذ مكانًا قصيًا في إحدى الزوايا مُتواريًا.

كان يرتكز فيما مضى على الكرسي الذي يشغله ونظرات الآخرين إليه والحضور الوظيفي والاجتماعي، وحين فقد هذه المُحرِّكات شعر بأن حياته فقدت معناها السابق، والبعض منهم يُعجِّل ذلك من رحيله عن الحياة بسبب الحسرة والضغط وهبوط الحالة النفسية بسبب تجريده غير المتوقع من منصبه المعتمد عليه.

وهذا ما يحصل حين يبني الإنسان قيمته الذاتية على منصبه الزائل، فيصبح هشًّا أمام أي تغيير، أمَّا الإنسان الذي يبني قيمته على شخصيته ومهاراته الذاتيه وتواضعه وعلاقاته الطيبة مع الآخرين والمجتمع دون زيف أو أطماع؛ فهذا تجده صامدًا أمام المُتغيِّرات، ثابتًا لا تتلاشى أو تهتز مكانته.

والسؤال الحقيقي ليس ماذا صرت بهذا المنصب؛ بل ماذا بقي منك بعد أن غاب؟! وهل انتهيت بانتهائه وغبت معه ومُحيت، أم أنك باقٍ ثابتٌ، لديك أثر لا ينمحي بين الناس؟!

الأكثر قراءة

z