بقلم: أحمد بن محمد العامري
من الطبيعي أن يَحتل ملف سلاح حزب الله حيّزًا كبيرًا في النقاش السياسي اللبناني، فهو مسألة تتعلق بالسيادة وبمفهوم الدولة وبشكل النظام الأمني الذي يجب أن يحكم العلاقة بين الدولة والمكونات السياسية فيها، ولكن ما ليس طبيعيًا هو أن يُطرح هذا الملف في توقيت هشّ دون أرضية سياسية موحّدة، ولا ظروف إقليمية مستقرة، ولا حتى موقف دولي يضمن للبنان الحد الأدنى من الحماية والغطاء.
برأيي، الحديث عن تسليم سلاح حزب الله في هذه المرحلة بالذات هو خطأ استراتيجي فادح، فلبنان لا يزال محاصرًا بجملة من الأزمات التي تهدد وجوده ككيان: أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مؤسسات ضعيفة أو معطلة، وبيئة إقليمية متوترة على حدوده الجنوبية وفي هذا السياق يصبح التلويح بنزع السلاح طرحًا غير واقعي، بل وخطيرًا.
من وجهة نظر واقعية، سلاح حزب الله أدّى وظيفة ردعية واضحة في مواجهة إسرائيل منذ عام 2006، يمكن أن نختلف على مشروعيته أو شرعيته ولكن، لا يمكن إنكار دوره في خلق توازن ردع حال دون حرب شاملة.
السؤال الآن ليس: هل يجب أن يحتكر طرف السلاح؟ بل: من يملأ هذا الفراغ إذا أُزيل هذا السلاح، ومتى؟ وهل الدولة مستعدة فعليًا لتحمّل هذا العبء؟ وهل الجيش اللبناني يملك القدرات والإمكانات السياسية والعسكرية للقيام بهذه المهمة وسط الانقسام الداخلي؟
الطرح الواقعي من وجهة نظري ليس في مناقشة نزع السلاح اليوم، بل في تعليق هذا النقاش مرحليًا، والذهاب بدلًا من ذلك إلى بناء مشروع وطني جامع يعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم ويقوي مؤسساتها، ويمنح الجيش حصانة وقدرة، حينها يمكن فتح هذا الملف من موقع قوة وسيادة حقيقية وليس تحت ضغط سياسي خارجي أو داخلي، أو على وقع التحريض والتخوين.
لا أحد يريد بقاء السلاح في يد فصيل إلى الأبد ولا أحد يدافع عن الازدواجية في القرار الأمني، ولكن يجب الاعتراف أن نزع سلاح حزب الله الآن دون رؤية شاملة يعني ببساطة فتح الباب أمام فوضى داخلية، وربما فتنة لا يمكن احتواؤها، وفي الوقت الذي لا تزال فيه إسرائيل تحتل أراضٍ لبنانية وتخترق السيادة جوًا وبرًا بشكل شبه يومي، فإن تسليم ورقة القوة الوحيدة المتاحة من دون مقابل، أمرٌ أقرب إلى الانتحار السياسي.
الملف معقّد ولا يجوز أن يُستخدم هذا الملف كورقة ضغط أو مادة للابتزاز السياسي في الداخل أو في المفاوضات الخارجية، يجب أن يكون جزءًا من رؤية استراتيجية لبناء الدولة لا عنوانًا للصراع على شكل الدولة.
إنّ تحميل حزب الله وحده مسؤولية الواقع اللبناني هو قفز فوق الحقائق، فالدولة اللبنانية منذ عقود فشلت في بناء جيش موحد قوي قادر على حماية حدودها، ولم تستطع أن تفرض سلطتها الكاملة على أراضيها، ومَن يطالب اليوم بنزع سلاح الحزب عليه أولًا أن يقدّم بديلًا وطنيًا قادرًا على حماية لبنان في وجه التهديدات المتعددة.
لذلك، فإنني أرى أن الواقعية السياسية والأمنية تقتضي تأجيل النقاش حول نزع سلاح حزب الله، إلى حين زوال التهديدات الإسرائيلية، وتعافي مؤسسات الدولة، وتوافر توافق داخلي عريض حول استراتيجية دفاعية شاملة، إلى أن يحدث ذلك، لا يجوز الزج بالبلاد في مغامرات غير محسوبة، فلبنان لا يحتمل المزيد من التصدع، فربما يمكن الحديث حول تعليق سلاح حزب الله وليس نزعه هو الصواب.
ahmedalameri@live.com