ريم الحامدية
لا أحد يعرف متى تبدأ الحكاية بالضبط، لا نشعر بالحب حين يصل، يدخل كنسمة ناعسة في آخر المساء، لا تُرى لكنها تغيّر كل شيء. الحب لا يحتاج كثيرًا ليبدأ، فقط لحظة واحدة صادقة توقظ فينا كل ما ظنناه نائمًا.
وفي لحظة عابرة من يوم مزدحم بالأخبار، قد يراودنا شعور داخلي لا نفهمه بسهولة، وهو الرغبة في أن نكتب عن الحب، أن نهذّب الحديث عنه، أن نعلنه بلا مواربة. فلماذا نخفي الحب؟ من ماذا نخاف؟ هل من الوضوح؟ من الاعتراف؟ أم من هشاشتنا حين نحب؟ كيف سيكون أثر حبنا على الآخرين؟ ما وقع الحب حين يكون صادقًا، نقيًا، غير مشروط؟ وأشعر بأنني امرأة لا يليق بي إلا الحب والدلال… هكذا أحب أن أكون.
ليس من الضروري أن تُقال المشاعر كي تُفهم، ففي أكثر الأوقات، القلب يكتب رسائله في ملامحنا، في نظراتنا، في ارتباك الحديث، وفي تلك المسافة الصغيرة التي نتركها عمدًا لتكون مسافة أمان. حين يدخل الحب إلى القلب، نحب الصباحات ونتأمل الغروب كأننا نراه للمرة الأولى. من يحب يتغيّر، يصبح أكثر إنسانية، أكثر دفئًا، يمرّر كلماته بحذر كأنه يخشى أن تجرح أحدًا.
نبدأ بالاهتمام بأشياء لم نكن نراها من قبل، نحب المطر لأنهم يحبونه، نسمع الأغنية لأنها تشبههم، نكتب دون أن نُرسل، ونتذكر دون أن نبوح. الحب يجعل كل شيء أكثر قابلية للتأثّر.
تفيق ذات صباح وتجد أن كل الأغاني باتت تُشبهه، أن كل الطرق تؤدي إلى اسمه، وأن قلبك لم يعد لك، حتى كوب القهوة الصباحي يصبح طقسًا عاطفيًا حين يرتبط بذكرى معهم. الحب الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان، يكفي أن يشعر به القلب، أن تظهره الملامح، أن تهدأ الروح بقرب من نحب. وما أجمل أن يكون في هذا العالم شخص واحد يجعل كل شيء فينا يزهر.
وكما قال الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي: "الحب وحده القادر على أن يجعل الإنسان أفضل مما هو عليه"، فثمة حب لا يُضعفنا، بل يُحرّض الحياة فينا.
يدفعنا لأن نكتب أجمل، نعمل بنشاط أكبر، نبتسم في وجه الأيام، ونشعر بأننا نملك جناحين كفراشة تُحلّق كلما فكّرنا بمن نحب.
الحب يشبه الورق الأبيض؛ كل من يلمسه يترك ظلًّا، لكن هناك من يلمسه، فيُولد منه نصّ، حياة أولئك الذين نحبهم بصدق، لا يغيرون أيامنا فقط، بل يُغيّرون طريقة رؤيتنا لأنفسنا. فجأة نكتب، نغنّي، نشتاق، ننجح، كأننا استعدنا الضوء الذي كدنا ننساه في زوايا القلب.
الحب ليس ضعفًا، هو اعتراف بأننا بشر، نحتاج القرب، وننضج بالعاطفة.
نحب فنكتب، نحب فنبصر في أنفسنا أجنحة ما كنا نعلم أنها لنا. الحب شوق لا يزول، وحضور يُضيء الأماكن حتى وإن غاب. فدعوا الحب يدخل خفيفًا، بلا تصنّع، اتركوا له النوافذ مفتوحة… علّه يعبر كنسمة، أو كحرف يشبه القصيدة التي لم نكتبها بعد.