القانون عندما يفقد رمزيته

عيسى الغساني

القانون ليس مجرد كلمات تُدوَّن في كتب رسمية أو تُعلن في الجريدة الرسمية أو مواد مجموعة في تشريع أو تقنين. القانون انعكاس لما يراه المجتمع عدلًا، وإنصافا وتحقيق لقيم المجتمع وأولوياته. لذلك، للقانون رمزية تتجاوز نصوصه وحدوده الإجرائية.

لكن ماذا تعني الرمزية في سياق القانون؟

رمزية القانون تعني مكانته في الوعي العام هل يُحترم؟ هل يُفهم؟ هل يُطبق بعدالة؟ وهل يُشعر الناس بالأمان؟ وهل يبني التماسك الاجتماعي؟ هذه الرمزية ليست شكلاً أو مظهرًا، بل هي جوهر وأساس القوة التي تجعل القانون مقبولا وفاعلًا ومصدرًا للثقة العامة.

لكن هذه الرمزية متحركة وليست ثابتة. فكما إن المجتمعات تتطور وفي حالة ديناميكية مستمرة، فإن القوانين تحتاج إلى مزامنة هذا الحراك. وإذا لم يحصل ذلك، يفقد القانون قوته الرمزية، حتى وإن ظل ساريًا على الورق، في هذه الحالة يفقد القانون صوته. أي يفقد القدرة على التأثير ويصبح جسدا بلا روح.

رمزية القانون هي المعنى العميق الذي يحمله القانون في أذهان الناس وقلوبهم. إنها تتجسد في احترام الناس للقانون، وشعور الفرد بأن القانون يحميه، ويتجلى ذلك بوضوح النصوص وسهولة فهمها دون تعقيد أو ازدواجية، مما يضمن العدالة في التطبيق، دون تحيّز.

بمعنى آخر، رمزية القانون تنبع من قدرته على الجمع بين الشكل والمضمون، بين الصياغة المحكمة والغاية العادلة. فإذا اختلت الصياغة، أو تقادم النص، أو أصبح بعيدًا عن واقع الناس، تتآكل هذه الرمزية، ويبدأ الناس في فقدان ثقتهم بالقانون نفسه.

وقانون الإجراءات المدنية والتجارية: مثال على تآكل الرمزية، حيث مضى على صدوره أكثر من عقدين، ولا يزال النمط التقليدي السائد في الخمسينيات هو المتبع، في حين أنه كان في زمنه نقلة تنظيمية مهمة، إلا أن مرور العقود دون تحديث جذري جعله، في نظر كثيرين، قانونًا قديمًا ومتشعبًا، يعاني من غموض في بعض المواد، بطء في الإجراءات، عدم مواكبة للتحول الرقمي، تناقض أحيانًا بين النصوص وتطبيقها الواقعي.

نتيجة لذلك، أصبحت المحاكم ترهقها الإجراءات، ويجد المتقاضي صعوبة في فهم مسار قضيته، ويشعر أن العدالة أصبحت بطيئة، معقدة، وربما غير مضمونة.

فعندما يشعر الناس أن القانون لا يخدمهم أو لا يساير واقعهم، فإنهم يفقدون الثقة فيه. ومع فقدان الثقة، يضعف احترام القانون نفسه، وتضعف شرعيته الرمزية، حتى إن ظل قائمًا من الناحية الشكلية.

ماذا يمكن أن نفعل؟

القوانين مثل الأجهزة الدقيقة: تحتاج إلى صيانة دورية وتحديث مستمر.

  • يجب أن تُراجع بانتظام، ليس فقط من حيث اللغة والصياغة، بل من حيث فلسفتها وأثرها الاجتماعي.
  • يجب تبسيط الإجراءات بما يناسب العصر الرقمي.
  • يجب أن تكون عملية صياغة القانون ومراجعته مفتوحة للحوار المجتمعي، حتى يشعر الناس أن القانون يعكس صوتهم، لا يُفرض عليهم.

القوانين التي لا تتطور، حتى وإن كانت صادرة من مؤسسات شرعية، تُشبه الجسور القديمة التي بُنيت على نهر تغيّر مجراه. قد تبقى قائمة، لكنها لم تعد تُؤدي وظيفتها.

رمزية القانون لا تُصان بالحفاظ على النص فقط، بل بتجديد الروح التي كُتب بها، ومواكبة حياة الناس كما هي، لذلك فإن مراجعة قوانين مثل قانون الإجراءات المدنية والتجارية، ليست مجرد مسألة فنية، بل هي خطوة ضرورية لاستعادة ثقة الناس في القانون، وفي المؤسسات.

الأكثر قراءة