عائض الأحمد
تعيش في أطراف الزمن، لا لأن الزمن ضاق بها، بل لأنها لا تحتمل الزحام الذي لا يُفسح لهيبتها. تَحِنُّ إلى سطوة الصحراء، لأنها الوحيدة التي لا تعترض طريق من اعتاد أن يكون الآمر والناهي، تركض قدر ما تشاء دون أن يوقفها عارض.
تكره بريق الأمل، لأنه لا يليق بمن لا يُراهن إلا على القوة. تنفض غبار الماضي لا لتستذكر الحكمة، بل لتستحضر سطوة أسلافها التي ترى أنها وحدها من ورثتها بجدارة.
متجهمة، متعنّتة، لا ترى في الاختلاف سوى تمرّد، ولا في النقاش إلا محاولة للمساس بمقامها. تُلقي أوامرها بثقة من اعتاد أن يُطاع، وتفرض أسلوبها كما لو أنه قانونٌ أزليّ لا يقبل التأويل ولا يعترف بالمرونة.
لا تُجيد الإصغاء، فكل ما يُقال دون صوتها هامشٌ لا يستحق الوقوف عليه. ترى في نفسها "الفيصل"، ومن حولها مجرد مؤيدين أو مخطئين.
حضورها لا يمر، بل يطغى. إذا تكلّمت، سكت المجلس، لا احترامًا، بل درءًا لصدام لا يُكسب. ترى الكرامة سيفًا، والولاء طوقًا، ولا تحتمل الرمادية؛ فإما معها... أو ضدها.
تتحدث عن الماضي كبرهان، وعن نسبها كوثيقة سيادة، وعن رأيها كحقيقة مطلقة.
ولعلها لا تدري أن الصمت من حولها لم يكن احترامًا، بل هروبًا من الاصطدام بمن لا يسمع. فالهالة تُخيف، لكنها لا تُحب.
لا تقترب منها بيدٍ ناعمة أو نظرة متوددة؛ فالجسد عندها ليس ممرًا للعاطفة، بل ساحة لا يُسمح باجتيازها. لا ترى في القرب الحميمي دفئًا، بل محاولة لاقتحام حصنٍ بُني بطبقات من الكبرياء. هي ترفض أن تكون جسدًا يُراد، لأنها ترى في الرغبة ضعفًا، وفي التمنّي خضوعًا. ليست ضد الحب، لكنها لا تعترف به إن لم يُقدَّم على هيئة احترام كامل لحدودها. يأتيها الشغف فيموت على أطرافها ويذبل، كأنه دخل إلى بيت موحش لم يعد يُسمع فيه غير فحيح أشجار تكاد تموت على أسوار منزلها.
لها:
احذري أن يتحوّل صوتك العالي إلى صدى فارغ، فالسيطرة لا تصنع احترامًا، وإن طال بقاؤك على العرش، فإن القلوب لا تُفتح بالقوة.
شيء من ذاته:
ليست بحاجة لأن تكون مُحقة، بل فقط أن تبقى مُهيبة.
نقد:
من يفرض أسلوبه بالقوة، قد يربح الصمت، لكنه يخسر القبول.