وداد الإسطنبولي
قرأتُ مقال الأستاذ محمد بن رامس الرواس الذي حمل عنوان "يحدث في غزة فقط"، وتأثرتُ كثيرًا بما احتواه من مآسٍ تنزف بين السطور. جلستُ أتأمل الموقف... وأسترجع مواقف أخرى مرّت في ذاكرتنا. ثم استغفرت ربي على جحودنا النعم وتقصيرنا في حق من ابتلي وحقه علينا النصرة.
أغمضتُ عينيَّ، وكأنني غفوت في يقظتي... كنت أقرأ سورة الكهف في صباح يوم جمعة، فإذا بضوضاءٍ تقتحم سكون المستشفى الذي أعمل فيه. هرعتُ أستطلع الأمر، يقودني الصوت المرتبك، وفي اللحظة ذاتها رأيت إحدى الزميلات تركض مسرعة، تدفع سريرًا طبيًا يحمل أشلاءً بشرية. لم أستوعب المشهد بدايةً... ولم تمضِ سوى دقائق حتى وصلت سيارة الإسعاف إلى قسم الطوارئ، تحمل جثثًا كثيرة. واحد فقط كان لا يزال يتنفس… يُصارع الموت.
نظرتُ إلى زاوية ضيقة في غرفة الإنعاش، فرأيت هناك طبيبةً قد انكفأت على صدرها، تحت الرداء الطبي الأبيض، ينهار قلبها بصمت… فقد اختلطت المهنة بالأمومة، واختلطت الحياة بالفقد. كان المشهد يختصر وجع أمة كاملة.
يا الله… ما أصعب أن تُفيق لتكتشف أنَّ كل من كانوا على تلك الأَسِرّة قد ماتوا!
هذا الأمر يحدث في بلدي فقط… حيث أسمع صرخات النعي، ونحيب الأمهات… مكسورات، متألمات، منهارات.
انفطر قلبي… وأفقت من غفوتي. فتحتُ عينيّ، وإذا بمقال الأستاذ محمد يلوح في ظلام بصري، وتذكّرت مي، وتذكّرت غزة… وتذكّرت القصف، والدمار، وصور الأطفال تحت الركام، حين كنت أتابع أخبارهم من بعيد. كنتُ أدعو لهم وأقول:
"يا رب، احفظهم، واجعلنا لا نعيش ما عاشوه، ولا نرى ما رأوه من الفقد والموت."
كنت أظنها مشاهد من مقال… لا من واقع، ولا من حياة. لكن قلبي صدّقها في ذلك الحلم، وكأنَّ الله أراد أن يوقظني على وقع مشهد يشبههم، لأشعر بما شعروا به.
فتحتُ عينيّ وأنا أتنفس بعمق، أُسند صدري بكفي، وأنظر حولي…، كان حلم يقظة لا أكثر، آهٍ ما أقسى ما يعانون.
اللهم رحمتك بإخواننا، اللهم ارحمنا جميعاً ولا تبلينا.
لقد أيقظتني تلك الغفوة… وكأنَّ أهل غزة قرصوني من بعيد، ليُذيقني الله شيئًا من معنى الصبر، فيكتب لي أجر الرضا كما كتب لهم.
نعم… الألم مشترك، وإن اختلفت الأرض، والطغيان لا يعرف حدودًا، لكن رحمة الله واسعة، وعدله باقٍ، ونوره لا ينطفئ.
وستنصر غزة بإذن الله. وسيسحق ربي الظالمين.