خليفة بن عبيد المشايخي
كانت هذه الحياة ولا زالت محل مشقة وعنت وتعب وآلام وأوجاع بشكل قد لا يتوقعه إنسان، ولا يتخيله عقل، خاصة مع أولئك البعيدين عن هذا المشهد لأسباب أوضاعهم المادية المُمتازة، التي تجعلهم محصورين مع أنفسهم، وعلاقاتهم مع من مثلهم فقط.
وما إن تخرج من بيتك لقضاء حاجة ما، إلا وترى عن يمينك وشمالك أناس بانت على ملامحهم قسوة الحياة والذل والحاجة، وارتسمت على وجوههم التي شاخت، تفاصيل أحزان كبيرة وهموم كثيرة.
وترى آخرين يفترشون الأرض يعرضون مُنتجات ومياه شرب، وفريقاً لم يتيسر له ذلك، فيتجول في الطرقات والحواري بحثاً عن فاعل خير ومنقذٍ له، وعلَّه يجد هنا أو هناك كريماً، يشفق عليه، فيسد رمقه ويشبع جوعه ويروي عطشه ويقضي حاجته، والذي يفعل ذلك فهو متصدق على نفسه ومقدم لنفسه، وراحمًا لنفسه ولولده ولأهله، فأثار الصدقة وفعل الخير يمتد حتى إلى دابتك فكيف بأولادك وأهلك وبيتك.
وحينما تكون أنت محتاجا وفي وضع ليس بأقل ممن تقدم ذكرهم، وينعم عليك المولى عزَّ وجلَّ في وقت ما بمبلغ بسيط ويأتيك سائل، من كرمك وطيبتك وأخلاقك وحبك للناس وللخير وفعله، تسارع إلى اقتسام ما عندك معه، من أجل التيسير عليه والتخفيف عنه، وإدخال السرور على قلبه.
رائدك في ذلك عون الله ورحمته ولطفه، قائلا في نفسك أنا اليوم أفضل حالا من هذا بسبب بضعة الريالات التي عندي، طبعاً تقول ذلك وأنت هكذا وضعك، فكيف لو كنت ميسور الحال، مؤكدٌ أنه من كرمك لن ترد محتاجًا ولن تنهر سائلاً.
في هذه الحياة هناك قصص كثيرة ومواقف عديدة ومشاهد مُحزنة ومُؤلمة مختلفة، فمنا من يعيش جائعاً وبدون مأوى ولا طعام، وهناك من يعيش خيرا وبطنه شبعان، ورصيده مليان، ولكنه ذميم بخيل ليس به خيرٌ ولا فيه خير لعباد الله إطلاقاً، متخذاً شعار أنا لست جمعية خيرية.
كثيرة هي الحالات الموجعة التي نراها أمامنا وودنا ألا تكونَ موجودة أبدًا، وأن يكون بمقدورنا مساعدة جميع من هم بحاجة للمساعدة وللعون ولتفريج همومهم.
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن ننفق مما رزقنا وأن نساعد الكل ولا نفرق بين هذا وذاك، والذي ليس به خيرٌ للناس، فهو في شر من الناس وفي الناس، ومن هكذا وضعه أجارنا الله منه ولا جعلنا من شاكلته وصنفه، إنسان مكروه منبوذ، مدفوع من رحمات الله ومُبعد عن حياة الصالحين والأخيار.
إن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس، ونحن في شهر رجب وتفصلنا عن شهر رمضان أيام قليلة. لذلك فيا أخي الذي ترى نفسك أفضل من غيرك بمالك، أذكرك أن ما أنت فيه من الله، فدائمًا كن رحيمًا بعباد الله، فمن لا يَرحم لا يُرحَم، والأيام دُوَل، وكل معروف يصنعه الإنسان فهو لنفسه في الدنيا والآخرة.