حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تُسارع دول العالم للاستفادة من الأنظمة المصرفية الإسلامية في عمليات الإيداع والبيع والشراء؛ حيث سبقت عدة دول أجنبية بعض الدول الإسلامية بالعمل في الصيرفة الإسلامية، وتُعد جمهورية الفلبين إحدى هذه الدول التي يَرجِع تاريخ إنشاء أول مصرف إسلامي بها إلى عام 1973، عندما أصدر الرئيس فرديناند ماركوس حينها مرسومًا رئاسيًا بإنشاء أول بنك إسلامي برأس مال مبدئي قدره 100 مليون بيسو، وذلك لتقديم الخدمات المالية إلى عدة محافظات فلبينية تتواجد فيها أعداد كبيرة من السكان المُسلمين. وقد أدى ذلك إلى فتح فروع للبنوك الإسلامية لتقديم خدمات مصرفية وفقًا للمبادئ والأنظمة والتشريعات الإسلامية.
اليوم تدرس الحكومة الفلبينية إصدار سندات صكوك إسلامية كجزء من استراتيجيتها التمويلية لعام 2025؛ مما يشير إلى استمرار العمل بتوسيع التمويل الإسلامي في البلاد. وتُشير بيانات دراسة حديثة أجراها بنك التنمية الآسيوي، أنها وجدت اهتمامًا قويًا بالمنتجات المصرفية الإسلامية في الفلبين؛ حيث أظهرت بيانات الاستطلاع الذي شمل 450 فردًا و50 من قادة الأعمال، أن 86% من المُستجِيبين في الاستفتاء كانوا مُنفتحين على استخدام حسابات التوفير الإسلامية، فيما أعرب العديد منهم عن اهتمامهم القوي لمثل هذه المنتجات. وتُظهر البيانات أنَّ هناك اهتمامًا متزايدًا من اللاعبين الأجانب الذين يتطلعون إلى إنشاء عمليات مصرفية إسلامية في الفلبين وخارجها نظراً لإقبال الجماهير على التعامل في الأنظمة المصرفية الإسلامية.
ووفقًا للمسؤولة عريفة علاء مُساعِدة المُحافظ للرقابة المالية في بنك "بانجكو سنترال نغ بيليبيناس" (BSP)، فإنَّ سندات الصكوك التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية والتي تتجنب المعاملات القائمة على الفائدة تكسب اليوم اهتمامًا عالميًا كأداة استثمارية بديلة في الفلبين. في حين لم يتم تحديد مبلغ مُحدد لإصدار الصكوك، إلّا أنَّ المناقشات جارية للحكومة الفلبينية للاستفادة من هذه السوق خلال العام وإصدارها في عام 2025، مع إمكانية إصدار سندات مقومة بالبيزو بالإضافة إلى العروض الدولية.
من جانبه، يعمل بنك "بانجكو سنترال نغ بيليبيناس" على دمج التمويل الإسلامي في القطاع المصرفي الأوسع، مع التركيز على تحسين الشمول المالي وتحفيز النمو الاقتصادي. فمنذ افتتاح أول بنك إسلامي في البلاد، قطع البنك المركزي خطوات واسعة في تعزيز بيئة داعمة للخدمات المصرفية الإسلامية وفق البيانات التي تتلقاها من المصارف العاملة في الفلبين.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تحقق فيه الفلبين إنجازاً اقتصاديًا ملحوظًا وفق بيانات عام 2023، حيث تصدرت اقتصادياً دول جنوب شرق آسيا بنسبة نمو بلغت 5.6%، فيما تعمل الحكومة إلى رفع سقف التوقعات لكي تتراوح النسبة ما بين 6% و7% خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي يبشر بمستقبل واعد للاقتصاد الفلبيني، ويؤكد مرونته وقدرته على مواجهة التحديات العالمية.
وتتمتع الفلبين اليوم بوجود اثنين من المصارف الاسلامية يعملان لديها بكامل طاقاتهما في هذا الشأن، فيما يسمح الإطار التنظيمي للبلاد للخدمات المصرفية الإسلامية بإنشاء منتجات وخدمات مالية جديدة متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يجذب انتباه المستثمرين على مستوى العالم.
ولا شك أن نمو الخدمات المصرفية الاسلامية في الفلبين، سوف يشهد المزيد من التطورات في وجود العديد من العمالة الفلبينية العاملة في عدد كبير من الدول الاسلامية والعربية، وخاصة في منطقتنا الخليجية؛ الأمر الذي يساعد المؤسسات المصرفية الاسلامية في جذب هؤلاء العملاء وتعزيز ادخارتهم وودائعهم في مثل هذه المؤسسات التي تتواجد لدينا في المندن الخليجية، بجانب تحسين أعمال القطاعات الاقتصادية في الفلبين أيضا، ومنها قطاع الخدمات المالية الذي نما في عام 2023 بنسبة 9%؛ حيث من المتوقع أن تدفع هذه التطورات إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد إلى تحقيق مزيد من الإنجازات الاقتصادية.
إنَّ النمو الاقتصادي الذي يتحقق في الفلبين اليوم يحصل بسبب عودة الحياة إلى طبيعتها واستئناف الأنشطة التجارية على نطاق واسع بعد سنوات شهد فيها العالم مشاكل مالية ومصرفية وعقارية بجانب وباء "كوفيد-19"؛ الأمر الذي يساعد على ضخ مزيد من الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية العامة، إضافة إلى تعزيز الازدهار المتسارع للخدمات المالية الرقمية في العالم.