الجنون الأمريكي و"الجحيم الموعود"!

 

التآمر على المنطقة بلغ مستويات لم يشهدها التاريخ

تهديدات ترامب تعكس الجنون الذي يقود إلى الهاوية

تأجيج الصراعات حول العالم يدعم مصانع الأسلحة الأمريكية

حاتم الطائي

تطورات مُتسارعة تشهدها منطقتنا التي لا يُراد لها أن تنعم بأيِّ استقرار، والهدف في ذلك واضح لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ألا وهو ضمان أمن الكيان الصهيوني، الذي اغتصب الأرض، ودمَّر الحرث والنسل، ويُواصل منذ أكثر من عام تنفيذ أبشع جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، ويُحاول تدمير لبنان، والآن زعزعة استقرار سوريا، التي تُعاني منذ 13 عامًا من تكالب القوى الإقليمية والدولية عليها، والتي استفادت من بعض الأخطاء التي وقعت هناك، لتعود هذه القوى مُجددًا مُستغلةً حالة السيولة والعسكرة التي تشهدها المنطقة، كل ذلك نتيجةً للدعم الأمريكي اللامحدود للإجرام الإسرائيلي في المنطقة.

ومن المُؤسف أن نُشاهد بصمتٍ ما تبقى من منظومة الدولة الوطنية في منطقتنا ينهار بدعم خارجي وتواطؤ داخلي، فما يجري في سوريا- آخر قلاع المقاومة- من أحداث تغير كل دقيقة تقريبًا، يؤكد أنَّ ثمَّة تخطيط مُحكم يدفع المنطقة نحو مُستقبل أكثر غموضًا، ولا يُمكن إغفال الأصابع الأمريكية التي تُحرك "الدُمى" هنا وهناك، ولا الإشارات التي تصدر عن بعض الفاعلين من قوى إقليمية، عربية وغير عربية. ويزيد من ذلك التَّحدي، أننا نسير نحو عد عكسي ليوم العشرين من يناير، عندما يتولى دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب مقاليد السلطة للمرة الثانية، ويبدأ تنفيذ أجندته- بطريقته الخاصة- من البيت الأبيض؛ حيث تصدُر القرارات التي تُغيِّر مُجريات الأحداث في العالم!

ورغم أنَّ ترامب لم يُصبح رسميًا رئيسًا للولايات المُتحدة، إلّا أنَّه قرر- كعادته- أن يُمارِس أسوأ السياسات، مُعتمِدًا على نهج التهديد والوعيد الذي يبرع فيه، وابتزاز الخصوم، ومساومتهم بين أمرين، أحلاهما مُر! هكذا هي "السياسات الترامبية"- إن جاز التعبير. والغريب أنه عندما يتحدث ترامب، ترتبك الأسواق العالمية، ويتفاعل المحللون شرقًا وغربًا، فمن اعتزامه شن حربٍ تجارية على الصين وكندا والمكسيك، إلى رغبته في ترحيل الملايين من المهاجرين، وصولًا إلى تهديده بتحويل الشرق الأوسط إلى "جحيم" في حال عدم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. هكذا نجد ترامب بكل سهولة، يُطلق التهديد والوعيد علنًا، وكأنَّ العالم يعيش في غابة لا قانون دوليًا فيها، ولا مواثيق وعهود واتفاقيات تُنظِّم كل شيء، حتى الحروب!

هذا الجنون الهائل الذي يقود السياسات العالمية حاليًا لا يُبشر أبدًا بأي انفراجة في الأفق؛ بل يُهدد باشتعال العالم، ليس على طريق "جحيم ترامب"؛ بل في صورة غضب عارم في أنحاء العالم، اعتراضًا على الظلم والإجرام والتبجُّح في السياسات العالمية. لقد شاهدنا كيف خرجت الملايين في أنحاء العالم رفضًا للمذابح التي يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتنديدًا بالدعم الأمريكي والغربي اللامحدود لدولة الكيان الصهيوني. ولا أعتقد أنَّه بات خافيًا على أحد حجم الظلم الذي يتجرعه كل إنسان في غزة، وإذا كان ترامب يتوعد بـ"جحيم" فماذا نسمي المجاعة التي يُعاني منها 2.2 مليون إنسان في القطاع، منهم 800 ألف في شمال غزة مُهددون بالموت في أي لحظة، مع انعدام الطعام أو الشراب أو الدواء، بالتوازي مع عمليات عسكرية تستهدف في الأساس النساء والأطفال، وكل ما هو مدني.

الجنون الأمريكي سيقود العالم والمنطقة إلى تخوم هوة سحيقة من العنف المتواصل، والدماء المتناثرة في كل مكان. ومن العجيب أن نجد أنَّ كل تدخُّل للولايات المتحدة في أي بقعة في العالم، لا يزيدها سوى التهابًا وتوترًا؛ فالتدخلات الأمريكية في الشأن الصيني تُنذر بتطورات عسكرية خطيرة في أي لحظة، كما إنَّ استفزاز روسيا وعسكرة الدول المحيطة بها، قاد لاندلاع الحرب في أوكرانيا، ولم تتوقف واشنطن عند هذا الحد؛ بل واصلت تسليح أوكرانيا لتأجيج الصراع، ومارست أبشع قرصنة دولية ضد الأصول الروسية، واستحوذت عليها، وفصلت روسيا عن النظام المالي العالمي، في تطور خطير تسبب في أزمات عنيفة للاقتصاد العالمي.

الولايات المُتحدة لا تُريد سوى أن تظل القوة العظمى المُهيمِنة على العالم، مهما تسبب ذلك في سفك دماء الأبرياء، في العراق أو سوريا أو فلسطين أو أوكرانيا أو أي بقعة على هذه المعمورة. تُمارس الولايات المتحدة سياسات تخدم مصالحها الذاتية وحسب، حتى لو اضطرت لشن حروب تجارية ضد أكبر الاقتصادات في العالم، فضلًا عن شن حروب عسكرية لتدمير الدول، وما حدث في أفغانستان والعراق وقبلهما فيتنام، ليس ببعيد عن هذه السياسات التدميرية، علاوة على غض الطرف أو تأجيج صراعات مُسلَّحة داخل الدول، كما هو الحال في السودان أو سوريا أو ليبيا واليمن. سياسات تتسبب في سفك دماء الأبرياء، لكنها في المُقابل تدُر عائدات مليارية على الخزينة الأمريكية، بفضل مبيعات السلاح، خاصة للدول ذات الفوائض المالية، والتي تفتح شهية الراعي الأمريكي لمزيد من العربدة في المنطقة، وإشعال النيران فيها.

ويبقى القول.. إنَّ ما يجري من أحداث حولنا، وتحديدًا في فلسطين وسوريا ولبنان، ليس سوى مُقدمة لما تسعى إليه أمريكا من تفكيك للمنطقة ووأد أي مشروع للتحرر الوطني، مُستخدمةً في ذلك أبشع الأدوات من قتل وتدمير وتسليح للجماعات الإرهابية، والتهديد والوعيد للدول، لكن في المُقابل، فإنَّ الفرصة سانحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لكي تتحد الدول والحكومات وأن تتجاوز "عُقد" النفوذ والهيمنة والاستحواذ، حتى لا يأتي علينا اليوم الذي نقول فيه "أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض"!!

الأكثر قراءة