جابر حسين العماني
يُواجه الكثير من الأزواج تحديات كبيرة في الحفاظ على استقرار حياتهم الزوجية، وغالبًا ما يلجؤون إلى طلب الطلاق والانفصال عند أبسط المواقف السلبية التي تطرأ على حياتهم الزوجية، ويعود ذلك في كثير من الأحيان إلى نقص حاد في الوعي والإدراك بأهمية المسؤولية الأسرية والاجتماعية المُلقاة على عاتقهم.
من الضروري بناء الحياة الزوجية السليمة الخالية من المُعوقات والسلبيات، لضمان استمرار الحياة الزوجية، ومن أجل تحقيق ذلك، لابد من الاهتمام بدراسة شؤون الحياة الزوجية قبل دخولها أو الإقدام عليها، وهنا يوصي المتخصصون في علم الأسرة بضرورة الاستفادة من حضور الدورات التأهيلية التي تؤسس لحياة زوجية هانئة بعيدة عن المنغصات، بالإضافة إلى التزود بالقراءة المركزة حول أهمية الحياة الزوجية، ومع ذلك على الزوجين أن يسألا نفسيهما دائمًا: كيف ننقذ زواجنا من الانهيار؟
وهنا إذا أردنا الإجابة على ذلك لابد أن نعلم أن الزوجين لابد لهما من الالتفات والتركيز والاهتمام إلى ما سنذكره في مقالنا هذا، فإذا أراد الزوجان فعلاً حماية زواجهما من الانهيار، والسير نحو حياة أفضل وأجمل، فما عليهما سوى تطبيق الآتي:
- أولًا: يجب على الزوجين أن يتخذا قراراً واضحًا وهو الالتزام بثقافة الاهتمام بالحوار بإيجابية مستمرة، وتجاهل السلبيات مهما كان حجمها وعددها وتفاصيلها وعدم الاهتمام بها، أو حتى النظر إلى جزئياتها، وذلك أن ديننا العظيم يريد منَّا أن نعيش حياتنا الزوجية ونحن مؤمنين ومسلمين بالإيمان المطلق بأهمية التجاهل والتغافل عن التوافه التي قد تصيب الحياة الزوجية، وكما قال أمير المؤمنين الإمام علي في كلمته الذهبية "مَنْ لَمْ يتغافل ولا يَغُض عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ تنغصت عيشته." وما أجمل أن يقوم الزوجان بكتابة هذا الحديث ولصقه داخل غرفة نومهما حتى يتذكرا دائمًا أهمية التغافل عن التفاهات في حل العديد من المشاكل الزوجية التي قد تطرأ على حياتهما الزوجية.
- ثانيًا: يجب أن يُدرك الزوجان أهمية التغيير في حياتهما الزوجية، فليس من الصحيح والسليم البقاء على نفس الروتين المعروف، والزوجان الواعيان هما اللذان يقومان بتجديد حياتهما باستمرار وذلك عن طريق السفر، واستعادة الذكريات، ومُمارسة الهوايات، واللعب معاً، والإعداد لعشاء رومانسي، ومُمارسة الرياضة، وزيارة الحدائق بين فترة وأخرى، وتبادل الهدايا في أعياد الميلاد وغيرها.
- ثالثًا: يجب على الزوجين تجنب اللجوء إلى خيار الطلاق في حياتهما الزوجية، فليس من الحكمة التفكير بالانفصال منذ اللحظة الأولى لحدوث مشكلة بينهما، فلا يوجد منزل يخلو من المشاكل، وعليهما أن يدركا أنَّ هناك العديد من الحلول المتاحة، لذا يتوجب عليهما البحث عنها وإيجادها وتطبيقها. وكما قال حفيد الرسول الأعظم الإمام جعفر الصادق: "مَا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اَللَّهُ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ اَلطَّلاَقِ ."
- رابعًا: طلب المساعدة من أهل الحكمة والدراية، فقد يواجه الزوجان مشاكل طارئة في حياتهما الزوجية ولا يجدان لها حلاً مما يؤثر على حياتهما سلبا، فما عليهما إلا التوجه إلى الأخصائيين الموثوقين في علم الأسرة واستشارتهم والاستفادة من خبراتهم العلمية والحياتية في حل النزاعات الزوجية، ومن المهم جداً أن يكون الزوجان عازمين على حل مشاكلهما وعدم التعنت أو التفكير في من سيكون المُنتصر، فذلك في حد ذاته تفكير سلبي لا ينبغي التعامل به بين الأزواج.
- خامسًا: الحفاظ على السرية التامة في الأمور الأسرية وعدم إفشائها خارج نطاق الأسرة، حيث لا يُستحسن للزوجين إفشاء تفاصيل حياتهما الزوجية للأصدقاء والمعارف، قال أمير المؤمنين الإمام علي: "صَدْرُ اَلْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ"، وقال في موضع آخر: "لاَ تُودِعْ سَرَّكَ إِلاَّ عِنْدَ كُلِّ ثِقَةٍ ."
- سادسًا: تعزيز تبادل ثقافة الحب والمودة بين الزوجين لما لها من أهمية بالغة في سير الحياة الزوجية على أفضل نحو مُمكن، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "قَوْلُ اَلرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: إِنِّي أُحِبُّكِ، لاَ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَدًا".
- سابعًا: يجب على الزوجين الاهتمام البالغ بحل المشاكل التي تقع في حياتهما الزوجية في وقت وقوعها وعدم تأجيلها أو إهمالها حتى لا تتراكم المشاكل بينهما بحيث يصعب حلها بعد ذلك لكثرتها.
- ثامنًا: ترسيخ ثقافة الاحترام والتقدير والإجلال بين الزوجين، ليس فقط داخل نطاق الأسرة، بل أيضًا بين الناس خارج الحياة الزوجية، ذلك أن الاحترام المتبادل بين الزوجين يبني العلاقات الزوجية ويجعل من الزوجين لهما القدرة الكافية على حل المشاكل التي قد تطرأ بينهما بشكل أفضل، وذلك لصناعة حياة زوجية ناجحة مبنية على الوعي.
وأخيرًا.. وإضافة إلى ما سبق، لا بُد من معرفة الحقوق والواجبات وهي من أهم الموارد الضرورية التي يجب أن تكون حاضرة في الحياة الزوجية بين الزوجين، إذ لابد من الزوجين أن يكونا على قدر عالٍ من معرفة دورهما تجاه بعضهما البعض، وذلك لا يكون إلا من خلال ملء الحياة الزوجية بالحنان والعطف والرأفة والحوار الهادئ المبني على المودة بينهما، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21) صدق الله العلي العظيم.