السنوار.. الفارس الذي رفع رأس العرب!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

مرت الأمة العربية من المحيط إلى الخليج بخيبات أمل متعددة منذ نكسة يونيو 1967، عندما تعرضت الجيوش العربية لهزيمة شديدة في حربها مع إسرائيل، هذا الكيان السرطاني الخبيث الذي جمع يهود الشتات من الشرق والغرب، وخاصة أولئك الذين يعتنقون العقيدة الصهيونية المتطرفة؛ بهدف إبادة الشعب الفلسطيني وإقامة دولة عنصرية على أرضه، وبالطبع من خلفها الدول الغربية وعلى وجه الخصوص الثنائي الاستعماري بريطانيا وحليفتها أمريكا التي أحكمت سيطرتها على بلاد العرب؛ بهدف حماية إسرائيل والدفاع عنها من الشعوب؛ إذا ما تطلب الأمر ذلك.

لكن طوفان الأقصى المبارك قلب كل الموازين رأسًا على عقب، فقد كان اول ضحايا هذا الطوفان قذف أول سلاسل العار المعروفة بـ"صفقة القرن" في مزبلة التاريخ، فهذه فلسطين تعود من جديد إلى الصدارة والاعتراف بها من أكثر من 145 دولة من دول أعضاء المنظمة الدولية، بينما ينضم رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعة إلى قائمة مجرمي الحرب في محكمة الجنائيات الدولية وهما الآن في قائمة الانتظار لصدور مذاكرات الاعتقال. وهكذا الأيام دول بين الناس؛ فالأمم القوية لا بد لها أن تنهض من النكسات والهزائم التي لحقت بها في الماضي بسبب التردي الذي كان نتيجة لأخطاء بعض الأنظمة العربية الرسمية.

وبالفعل، مثّل السابع من أكتوبر 2023، علامة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية قاطبة، وذلك عند ما تحقق النصر المبين على الصهاينة المحتلين في ذلك اليوم التاريخي، على الرغم من القصف الغاشم من دولة الاحتلال للقطاع وتدميره بالكامل تقريبًا لاحقًا في حرب إبادة ما تزال مستمرة؛ لكن كان لصقور حماس الأبطال الدور الأبرز في التخطيط والتنفيذ لتلك الملحمة الفلسطنية غير المسبوقة وهي ملحمة "طوفان الأقصى"، والتي يمكن أن نعتبرها البداية الحقيقية لحرب تحرير فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر وتطهير المسجد الأقصى من رجس المتطرفين اليهود الذين عاثوا فسادا في أرض الرباط.

يجب التأكيد هنا أن الانتصار الساحق للمقاومة الفلسطينية كان اسثنائياً بكل المقاييس فقد زلزلَ أركان الدولة الصهيونية مما ترتب على تلك الصدمة، هجرة عكسية لآلاف الإسرائيليين للخارج، وقبل ذلك كله نهاية وَهْم ما يُسمى بـ"الجيش الذي لا يُقهر"، الذي ظهر أمام العالم "نمرًا من ورق"، بما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ إذ تم اقتياد وأسر جنرلاته بفضل شجاعة رجال المقاومة الفلسطينية عبر السياج الفاصل إلى غزة باستخدام عربات وناقلات الجيش الإسرائيلي المدحور الذي ظهر على حقيقته في ذلك اليوم الذي يعد من أيام النصر المبين للشعوب العربية والإسلامية في الشرق والغرب.

لا شك أن المجاهد الأكبر يحيى السنور ومحمد الضيف ورفاقهما، قد كتبوا فصلا مشرقا ومضئيا في تاريخ النضال الفلسطيني، مفاده لا وجود ولا مكان للخوف من العدو بعد اليوم؛ مهما كانت التحديات والإمكانيات المتقدمة في العدة والعتاد؛ فالإرادة الصلبة والإيمان بالله وعدالة القضية هما المحركان الأساسيان لهؤلاء القادة البواسل الذين لا يهابون الموت ويرفعون شعار نابع من قلوبهم "النصر أو الشهادة". وما أجمل هاتين الكلمتين اللتين تعبران عن مواقف الشرفاء في كل زمان ومكان. وعلى الجانب الآخر من هذا الصراع الوجودي تتخاذل عدة أنظمة عن نصرة غزة، بل هناك من يمتنع عن إرسال الأدوية والطعام لأطفال غزة ونسائها، إرضاءً لأعداء الأمة المارقين والمجرمين الثالوث: نتنياهو وبن غفير وسموتريش، وذلك خوفا منهم .

أين نحن اليوم من القائد خالد بن الوليد الذي لم ينهزم في أي معركة من معارك الفتوحات الإسلامية وهي أكثر من مائة والذي قال قبل وفاته "لا نامت عيون الجبناء" إذ تمنى هذا الصحابي الجليل أن يموت شهيدا في إحدى تلك الوقائع التي قادها بنفسه ولكن شاءت الأقدار الإلهية أن يموت على فراشه.

وفي الختام.. من حق الأمة أن تفتخر بيحيى السنوار وأمثاله من الشرفاء الذين أعادوا إليها هيبتها وشرفها، لم لا وقد استطاع هذا القائد الفذ أن يجهز ثم  يقود هذا الزلزال الكبير الذي جعل أصدقاء إسرائيل من الدول الاستعمارية يتسابقون للاطمئنان على الكيان العنصري ومؤازرته بعد النكسة التي لحقت بهذا الكيان اللقيط وغير الشرعي، والتي كادت تقضي على مجتمع المستعمرين بأكمله، فقد كان خروج السنوار خلال صفقة "وفاء الأحرار" بعد أن قضى 23 سنة في سجون الاحتلال فاتحة خير ونصرا للأمة، فمن السجن إلى قيادة كتائب عز الدين القسام، بعد نجاحه في القضاء على جواسيس إسرائيل في القطاع، وهذا هو السبب وراء عدم تمكن الشاباك والموساد من الوصول إليه.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري