الزواج.. بين سنة الحياة وتكاليف المجتمع!

 

سلطان بن ناصر القاسمي

في عصرنا الحالي، أصبحت عادات الزواج مُحملة بالكثير من التفاصيل المرهقة التي لم تكن موجودة في الماضي. وفي كل جيل، نرى تطورات جديدة في مراسم الزواج، بعضها يفرض تحديات مالية كبيرة على العريس، مما يجعل الزواج حلمًا صعب المنال للكثير من الشباب. أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج هو ارتفاع التكاليف بشكل كبير؛ حيث نرى بعض الشباب يتأخرون عن الزواج حتى سن الثلاثين أو الأربعين بسبب الأعباء المالية المرتبطة بالمناسبات.

وإذا ما ألقينا نظرة على الفارق بين تكاليف الزواج في الماضي والحاضر، لوجدنا فرقًا شاسعًا. ففي الماضي، لم يكن المهر يتجاوز ألفي ريال عُماني، وأحيانًا كان أقل من ذلك. بينما في الوقت الحالي، ارتفعت التكاليف بشكل ملحوظ، ليس فقط بسبب زيادة الأسعار الطبيعية، بل نتيجة لإضافة متطلبات جديدة تجعل التكاليف تتضاعف. هذه المتطلبات تشمل بعض العادات التي تُعتبر حديثة ودخيلة على مراسم الزواج.

علاوة على ذلك، تجهيز العروس ببعض المشتريات الأساسية لدخول حياتها الزوجية هو أمر لا جدال فيه. ومع ذلك، فإنَّ ما نشهده اليوم هو سباق بين العائلات على استئجار أفخم القاعات وتقديم أجود المأكولات وتوزيعات الهدايا الباهظة. كما أن هناك عادات جديدة، مثل تنظيم حفلات خاصة لوضع الدبل، والتي بدأت في إطار عائلي ضيق لتتحول لاحقًا إلى مناسبات تُقام في استراحات أو قاعات تُدعى إليها العائلات والأصدقاء. هذا يزيد من الأعباء على العريس، الذي يُطلب منه تمويل كل هذه التكاليف.

إلى جانب ذلك، إجراءات عقد القران تتطلب دعوة الأهل والأصدقاء والأقارب وتقديم الحلوى العُمانية وغيرها من أنواع الضيافة، مما يرفع تكلفة الزواج بشكل كبير. كما إن في بعض القرى، يتم تنظيم حفلات عشاء كبيرة عند العريس؛ حيث يُدعى جميع سكان القرية، مما يزيد من الأعباء المالية التي يتحملها العريس.

وفي بعض محافظات سلطنة عُمان، توجد عادات جميلة تستحق الثناء، مثل تقديم الدعم المالي للعريس من قبل المُجتمع المحلي، وهي خطوة إيجابية تُظهر التضامن بين أفراد المجتمع. ومع ذلك، حتى مع وجود هذه المبادرات، تظل تكاليف الزواج مرتفعة بشكل كبير؛ حيث تتطلب حفلات الزفاف استئجار قاعات أفراح أو استراحات، ما يعني زيادة كبيرة في التكاليف المتعلقة بالزفة والعشاء والمأكولات الأخرى.

إضافة إلى ذلك، فإنَّ تراكم هذه التكاليف يثقل كاهل العريس بشكل كبير، مما يؤدي إلى ديون قد تستمر لسنوات بعد الزواج. من هنا، يجب أن نتوجه إلى أولياء الأمور والبنات المُقبلات على الزواج بالقول: "ارحموا هؤلاء الشباب". فالوضع المالي للكثير من الشباب اليوم لا يسمح بتحمل هذه التكاليف الباهظة. الرواتب محدودة، ونسب التسريح من العمل في ارتفاع، ونسبة الطلاق أيضًا مرتفعة، وهذا يعود بشكل كبير إلى الضغوط المالية التي يتحملها الشباب بعد الزواج.

وبما أن الحل الوحيد المتاح أمام العديد من الشباب هو اللجوء إلى البنوك والاقتراض لتغطية تكاليف الزواج، يصبح الزواج عبئًا اقتصاديًا كبيرًا. وهنا يأتي دور المجتمع والجهات المعنية في الدولة. يجب أن تُبذل الجهود لإيجاد حلول تساعد الشباب على تجاوز هذه التكاليف المرهقة والابتعاد عن العادات الدخيلة التي تجعل الزواج أكثر تعقيدًا.

ولقد شاهدت بنفسي نموذجًا إيجابيًا خلال زيارتي لولاية صور الجميلة. حضرت حفل عقد قران لأحد الأصدقاء هناك، وأعجبت بتواضع الضيافة التي اقتصرت على تقديم الحلوى العُمانية وبعض الأكلات الخفيفة. كانت التكلفة الإجمالية لا تتعدى 400 ريال عُماني، وكانت مناسبة ناجحة بامتياز. لم تكن هناك حاجة إلى إقامة حفلات ضخمة أو دعوة عدد كبير من الضيوف لتكون المناسبة مُميزة. كان هذا النموذج البسيط موضع تقدير من الجميع.

ولو تمَّ تعميم هذا النموذج في كافة المحافظات، لكان بالإمكان تقليل التكاليف بشكل كبير، خصوصًا إذا تم الاستغناء عن بعض العادات الدخيلة، مثل حفلات تلبيس الدبل الكبيرة التي تتطلب دعوة الكثير من المعازيم. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقلهن مهرًا أكثرهن بركة"، فإنَّ تخفيف الأعباء المالية والابتعاد عن المظاهر الزائفة يمكن أن يسهم في تعزيز البركة في الزواج ويُقلل من التوترات التي تنشأ بعده.

ختامًا.. يتعين علينا جميعًا أن نُعيد النَّظر في التقاليد التي نمارسها خلال حفلات الزواج، وأن نسعى لتبسيط الإجراءات قدر الإمكان. كما يجب أن نعمل على توعية المجتمع بأنَّ الزواج ليس مناسبة للتبذير، بل هو مناسبة لتأسيس حياة جديدة تقوم على الحب والتفاهم والتعاون. إذا استطعنا التخلص من العادات الدخيلة والتركيز على جوهر الزواج الحقيقي، فسنتمكن من مساعدة الشباب على الإقبال على هذه الخطوة المهمة في حياتهم دون أن يُثقلوا بالديون والمصاريف.

تعليق عبر الفيس بوك