محمد بن رامس الرواس
لم تكن ليلة الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، ليلةً كبقية الليالي؛ ففي تلك الليلة المباركة وقع الكثير من الأحداث الجسام، صاحبتها تغيرات كبرى في الكون؛ فقد حدث أن انطفأت نار المجوس التي لم تكن قد خمدت منذ ما يزيد عن ألف عام، بينما تهدَّم أربعة عشر عمودًا في إيوان كسرى؛ ذلك البناء الشامخ، في ذات الوقت انطلقت الشُهب ترمي الشياطين في أجواء السماء بلا هوادة، لتُعلن لهم أنه ليس لكم مكان لاستراق السمع بعد اليوم.
فجأة هبَّ الموبذان الفارسي (كبير كهنة المجوس) من منامه مذعورًا بعد أن رأى أنَّ إبلًا تقود خيلًا تتسرب وتتجه الى بلاد الفرس؛ ففزع، وكان الحلم يُعبر عن نفسه بوضوح. لقد انتكست الوثنية وانتكست الأصنام وأنمحى عهد الكهنة والسحرة، كل ذلك يحدث بينما الكون مُستبشرًا فَرِحًا مسرورًا؛ فقد قدم إليه سيد الكونين والثقلين محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة والسلام، أفضل مولود يُرحِّب به الكون بكل ابتهاج.
اليوم، ونحن نحتفل بهذه الذكرى المباركة التي لها في قلوبنا عظيم الاحترام وفيض المحبة لكون حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام قد وُلِدَ فيها؛ فحُق لنا الاحتفال بها، وحُق لنا الفرح بها، فإن لم نفرح بولادة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فبمن نفرح؟!
لقد تشرف الوجود بهذه اللحظات العظيمة وحُق لنا أن نسعد ونفخر بها مُناسبة فضَّلها الله وشرفها على كثير من الأيام والمناسبات؛ لأن فيها وُلِدَ مع الرسول عليه الصلاة والسلام رسالة التوحيد الأزلي، وانمحى عهد الجهل والظلام وأشرق الكون ضياءً، إنه يوم الصفاء والبهجة والذكرى، وحُق لنا أن نترنم بحبه عليه الصلاة والسلام، ونحتفل بمولده؛ فهو أعظم الاحتفالات وأجملها.
إن الاحتفال بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أفضل الاحتفالات وأعظمها وأظهرها وأجملها؛ لأن رسالة التكليف من المولى عزَّ وجل، كانت قد نفذت في ذلك اليوم المبارك، لذا وجب أن يكون احتفالنا بمولده أداءً لمحبته، ومناسبة عظمية في قلوبنا.