حيدر بن عبدالرضا اللواتي
مُنذ أكثر من 4 سنوات يتوالى الإعلان عن إفلاس شركات في الدول الغربية وأمريكا واليابان وبأعداد كبيرة؛ نتيجة لعدة أسباب، تُعزى بعضها إلى قرار الشركات بإعادة هيكلة الميزانيات العمومية لها، والتركيز الكبير على رأس المال العامل لها في الأعمال اليومية لمواجهة التراجعات في الأسواق، إضافة إلى الفساد المستشري لدى بعض المديرين والتلاعب في مقدرات الشركات.
ويعزو البعض هذه الإفلاسات إلى توقف الشركات عن العمل بالأساليب التي كانت تحلو لها في الماضي من خلال قيام حكوماتها بسرقة الموارد الطبيعية للدول الفقيرة في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ودعم شركاتها المحلية، قبل أن تعي شعوبها هذه القضايا؛ الأمر الذي أدى إلى تغيير ورفع أسعار المواد الأولية المستوردة والتي كانت الحكومات الغربية تشتريها بثمن بخس من الدول الفقيرة، مع استمرارها في تقديم الرشاوي لبعض السياسيين لإنهاء أعمالها التجارية، ناهيك عن المشاكل الناجمة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة السنوية للمؤسسات التمويلية والمصرفية على أعمال الشركات. في حين يعتقد البعض بأنَّ هذه الإفلاسات تأتي بسبب الظلم الذي مارسته الشركات الغربية على الشعوب الفقيرة وأنه انتقام إلهي لها.
أما في منطقتنا العربية، فإنَّ إفلاس الشركات مرده إلى الفساد الذي يستشري ببعضها، إضافة إلى المنافسة غير الشريفة التي يُمارسها المديرون الوافدون ضد الشركات المحلية، بجانب المشاكل المالية التي تتعرض لها؛ بسبب غياب الدعم وارتفاع أسعار الفائدة السنوية للقروض التي تحصل عليها للاستمرار في أعمالها التجارية.
وعلى المستوى الغربي، فإنَّ أعداد هذه الشركات المُفلِسة يصل اليوم إلى الآلاف في كل من بريطانيا وأمريكا وألمانيا واليابان وغيرها من الدول الصناعية الكبرى؛ الأمر الذي يؤدي إلى توقفها عن العمل الذي كانت تمارسه في قطاعات اقتصادية مختلفة. وتعرض العالم إلى محنة "كوفيد-19" المفتعلة خلال السنوات الماضية، والتي أنهكت الشعوب الفقيرة قبل الغنية، وكانت سببًا رئيسًا في عمليات إعسار الكثير من الشركات في العالم وإفلاسها بسبب القيود التي فرضت على الشركات، وعدم تمكنها من دفع الديون التي ترتبت عليها، ناهيك عن الأزمات المالية العالمية التي تعرضت لها قبل انتشار الجائحة، الأمر الذي دفع العديد من الشركات لإعادة تنظيم أعمالها التجارية، والدخول في التصفيات ومن ثم إعلان إفلاسها.
في أمريكا لوحدها، أفلست آلاف الشركات التي تقوم ببيع السلع والخدمات كالمطاعم ومتاجر الملابس والسيارات ما بين الصغيرة والمتوسطة نتيجة عدم قدرتها على مسايرة أسعار الفائدة التي بلغت أعلى مستوياتها في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي شكّل ضغطًا على الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض، والصعوبة في الحصول على قروض تجارية جديدة، ودخولها في حالات التخلف عن السداد، في الوقت الذي كان يتراجع فيه الطلب من قبل المستهلكين على المنتجات والسلع. فهناك اليوم آلاف الطلبات المعدة من الشركات الغربية والأمريكية للإعلان عن الإفلاس، الذي يُساهم اليوم في تراجع التضخم نتيجة عدم القدرة على الاستهلاك والصرف، وبالتالي يؤدي إلى خفض تكاليف الاقتراض المصرفي تدريجيًا.
ولا يختلف الحال أيضًا في أوروبا واليابان والصين وغيرها من الدول الأخرى؛ حيث ترتبط بعض الشركات المُعلنة للإفلاس بمشاكل عقارية والتعمير والديون الناجمة عن تلك الأزمات المالية وتعثرها في الدفع، في الوقت الذي يتوقع فيه الخبراء تصاعد موجة إفلاس شركات أخرى خلال العام الحالي والمقبل، ودخول الدول في التباطؤ الاقتصادي.
إنَّ مثل هذه الحالات ربما سوف تتعرض لها الشركات في المنطقة وفي السوق العُماني أيضًا في ضوء تراجع الأعمال التجارية وارتفاع معدلات ونسب الفائدة على القروض التجارية، وتعثر بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ بسبب عدم تمكنها من إعادة سداد ديونها، ناهيك عن الشيكات التي ترتجع يوميًا بسبب تراجع الأعمال التجارية اليومية، وقلة حركة أنشطة الأسواق. بعض البيانات المحلية أشارت مؤخرًا إلى وجود عدة شركات تنتظر الإفلاس، بعضها شركة تعمل في مجالات الطاقة وتوليد الكهرباء وغيرها في مجالات أخرى. وإفلاس تلك الشركات ليس موضوع الساعة، وإنما عمل تجاري وقانوني معروف في تلك الأوساط ولدى الشركات العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية، إلّا أنَّه يُسبب أضرارًا كبيرة للقطاع المصرفي والمالي ولبعض الفئات من الأفراد الذين يمتلكون نسبة مساهمة كبيرة في تلك الشركات.