د. محمد بن عوض المشيخي **
قُدِّرَ للكاتب والإعلامي أن يحمِل مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه؛ بل هو واجب وطني يقوم به الإعلام كسلطة رابعة مستمدة من حرية القلم ومكانته في فضاء حرية التعبير؛ وذلك من خلال تسلسل الأفكار وطرح الرؤى على الرأي العام؛ فتعبُر هذه الرسائل الحدود وتصل إلى أقاصي العالم وأطرافه الواسعة، لم لا وهو- أي الكاتب- يحمل أمانة الكلمة التي تعجز عن حملها الجبال الشامخة، والتي يفترض أن تكون كلمة صادقة ومعبرة عن واقع الحال، وقبل ذلك كله أن يكون الإعلام بمختلف منصاته همزة الوصل بين المواطن والحكومة التي هي مطبخ لصنع القرارات الاقتصادية والتنموية بشكل عام.
صدى تلك القرارات والسياسات ونتائجها تحمله الأقلام الأمينة لصانع القرار، من خلال ما يُعرف بالمرآة العاكسة للحقيقة، ذلك كون الإعلامي يضيء الدروب المظلمة لأصحاب العلاقة من الحكومة والمجتمع المستهدف من تلك السياسات، وهناك من يُشبِّه الإعلامي بالشمعة التي تحترق من أجل إضاءة الدروب المُعتِمة والطرق المظلمة لتنوير المجتمع وتعريفه بالأخطار المحيطة والفرص المتاحة.
وعلى الرغم من هذا التوصيف المثالي للإعلام ومُنتسبيه من الكُتّاب والصحفيين، إلّا أن في واقع الأمر سقف الحرية الممنوح للعاملين في هذا المجال محدود، ويضيق عندما تكون الأوضاع صعبة وضبابية وتتعلق ببعض التجاوزات والهفوات لمن يتصدرون المشهد من المسؤولين، الذين تضيق صدور الكثير منهم بالنقد البناء، الذي هدفه في الأساس تنوير الطرقات، والبناء لا الهدم، خاصة في مجتمعاتنا النامية، التي يتطلب من الإعلام كسلطة رابعة أن يُجاهد ويُضحّي في بعض الأحيان لكي تتمكن وسائل الإعلام من مراقبة السلطات الثلاثة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وليس غض الطرف والاكتفاء فقط بتمرير المضامين والأطروحات التي تُوحي بأنَّ كل شيء على ما يرام. ومن هنا، ينظُر الكثير من الناس إلى الإعلام- وعلى وجه الخصوص- كاتب الرأي في الصحف اليومية الرصينة ذات الانتشار الواسع بأنه يملك نفوذًا وتأثيرًا على الحكومة، من خلال كتاباته الأسبوعية التي تتحدث عن الشأن الوطني ونبض المجتمع وهمومه، ولا يُدرك هؤلاء التحديات التي يقع فيها الكاتب من "حُرّاس البوابات" الذين يفحصون المقالات، والبداية تكون من الإعلامي نفسه، من خلال ممارسة ما يعرف بالرقابة الذاتية على نفسه، لكونه يدرك السياسات المُتَّبعة والمتمثلة في القوانين والتشريعات الموضوعة من قبل السلطة التشريعية في أي بلد. ثم يأتي دور المؤسسة الصحفية التي عادة ما يكون لها نظامها وتوجهاتها الخاصة نحو الجهات الداعمة، والتي في العادة تخصص موازنات للإعلانات، فقد تُمنع تلك الأموال عن وسائل الإعلام التي تنشر مضامين مُعارِضة لتلك المؤسسات، مثل: البنوك وشركات الاتصالات وبعض الوزارات الحكومية. والحقيقة الغائبة عن كثير من الناس أن الكاتب لا يملك عصا سحرية؛ بل هو ربما أضعف حلقات السلسة أو المنظومة الإعلامية التي تتحكم في النشر، فقد يُقرِّر أحد "حُرّاس البوابات الإعلامية" توقيف المقال أو تعديله، مما يترتب على ذلك تفريغه من مضمونه. وعلى الرغم من هذا الواقع الصعب، تغمُرُني السعادة بتواصل النَّاس معي هاتفيًا أو في اللقاءات المباشرة في الأماكن العامة حول إمكانية تناول قضاياهم ومعاناتهم عبر نافذتي الأسبوعية، وأُسجِّل شكري وتقديري دائمًا لهؤلاء الذين أحسنوا الظن فينا، وعلى الرغم من ذلك أدركُ شخصيًا قلة حيلتي ومدى وصعوبة قبول المُتنفِّذين لتلك الكتابات التي تحمل في طياتها قصصًا حزينة ومعاناة إنسانية، فكم طرقنا أبواب من نعتقد أنه سوف يستجيب لشكاوى المجتمع وتطلعاتهم نحو الحياة الكريمة. واتذكر دائمًا مقولة شعبية متداولة تُعبِّر عن واقع الحال مفادها "لمن تقرأ زبورك يا داوود؟!".
يبدو لي أننا في العادة نتعامل مع صِنفين من المسؤولين، وكلاهما في اتجاهين متعاكسين؛ الأول هو صانع قرار حكيم يعتمد على النزاهة والحِكمة وحُب الوطن، وما يأتي منه إلّا الذي يُرضي الله والناس. بينما يُعرَف المسؤول الثاني بالتعقيد ومحاولة تصدير الأزمات وتضخيمها وليس حلها، ورفع سقف العقبات في وجه المواطن بزعمه توفير المال العام ومنعه من مستحقيه. وهذا النوع من البشر لا يعرف سوى كلمة "لا" والتسويف والوعود التي لا تتحقق. ومن هنا تظهر بين وقت وآخر بعض القرارات التي تُطبَّق مباشرةً قبل أن تخضع للدراسة والتمحيص بشكل مُعمَّق. فقد استبشرنا خيرًا بإعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار صرف مُخصَّصات شهرية لطلبة الابتعاث الداخلي، لكن لم تكتمل فرحة الآخرين الذين لم تشملهم تلك المنح المالية، على الرغم من حاجتهم الماسة لتلك المساعدت، وهم الطلبة الذين يدرسون على حسابهم الخاص، ويستحقون التشجيع والمساعدة لتكملة دراستهم الجامعية. كما إن صرف هذه المخصصات مرتبط بدخل الأسرة على غرار نظام الدعم الوطني، فتبدأ قائمة الدعم من 500 ريال أو أقل لكي يستحق الطالب الدعم، وتنتهي هذه القائمة التي تتكون من خمسة مستويات أو معايير، وآخرها مرتبط بالأسرة التي يزيد دخلها أكثر من 1250 ريالًا، في حالة تجاوز هذا الحد لا يستحق الطالب الدعم. أما مقدار الدعم فيكون حسب بُعد مسافة محل سكن الطالب عن المؤسسة الجامعية.
لذلك ندعو من هذا المنبر، إلى اعتماد المعايير المُطبقة في جامعة التقنية والعلوم التطبيقة وجامعة السلطان قابوس، بحيث يطبق معيار المسافة بين سكن الطالب ومقر دراسته، وليس على أساس دخل الأسرة، ونتطلع لأن تشمل هذه المخصصات الطلبة الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة، لأنهم يستحقون التشجيع والدعم.
** أكاديمي وباحث مختص الرأي العام والاتصال الجماهيري