ناجي جمعة البلوشي
في الحقيقة هناك تساؤل يدور في ذهن الكثير من النَّاس حول اختيار حركة حماس ليحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي والممثل لرأس هرمها في وقت تقاتل فيه الحركة العدو الصهيوني في أرض غزة والتي لا يزال يرأس إدارة شأنها الداخلي حتى اليوم السنوار ذاته، كما إنه يعتبر القائد الأعلى لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، وهذا الجناح لا يعمل ولا يتواجد إلا في غزة فقط، وبذلك يكون السنوار هو رئيس حركة حماس وحاكم غزة والقائد الأعلى للقوات العسكرية في غزة.
هنا يتعقد المشهد الذي وضعت الحركة السنوار فيه؛ لأنه يعني بصراحة أن غزة السنوار والسنوار غزة حتى وإن كان يقطنها أكثر من مليوني إنسان؛ فالوضع يقول إنَّ ما يرضي السنوار يرضي غزة وما يوافق عليه السنوار توافق عليه غزة؛ فالحركة تريد أن تضع الواقع هو الفيصل والحكم؛ فإن انتصر السنوار انتصرت غزة وإن هزم السنوار هزمت غزة، لذا فإن السنوار سيكون صارمًا في التفاوض وفي الميدان العسكري، ولا يمكن لأي طرف أيًا كان أن يضغط عليه حتى حركة حماس وممثليها في الخارج أو الضفة أو الوسطاء أو أمريكا أو الداعمين للحركة.
السنوار الآن يتحمل مصير الأرض والإنسان وليس حركة المقاومة الإسلامية فقط، كما إن الحركة تنظر إلى المصالحة الأخيرة التي وُقِّعَت في الصين بين جميع الفصائل الفلسطينية نظرة مغايرة عما ينظر إليها المراقبون فالحركة ضحت برجالها ونسائها وقادتها، وكل ما تملك من الغالي والنفيس، وتستحق مع هذا كله أن تحصل على ما يقابله من تقدير من الجمهور الفلسطيني الذي سيكن لها كل التقدير والاحترام إذا ما حصلت فلسطين على استقلالها وعلى الدولة التي طال انتظارها فترشيحه لرئاسة الوزراء أو ترشيح الحركة له بعد أن تحصد نتاج كل ما قدمته لهذا المنصب سيجعل الحركة محل تقدير من الشعب الفلسطيني، وهذا أمر مشروع تسعى لبلوغه الحركة.
كما إنَّ السنوار عندما يكون رئيسًا لحماس في هذا الظرف يجعل منه أيقونة المقاومة ونبراسها فلا يمكن أن يتجاهله فلسطيني فاليوم الدول جميعها تسعى في أن تضع حل الدولتين محل جد ونهاية للمشهد الذي طال انتظاره، وهذا يعني أن حركة المقاومة قامت بما لم يقم به غيرها من الحركات، وتجريدها من المشهد السياسي إلى المشهد الذي ترتضيه إسرائيل وغيرها من الدول الموالية في أن يقود فلسطين رئيس موالٍ لها؛ فهذا لن يكون محالًا، الحركة أيضًا وضعت كل ثقلها في السنوار ليكون المفاوض الأوحد فلا يرضى بما يصيغه الأمريكان والإسرائيليون؛ بل هو من سيفرض عليهم شروطه وإلّا لن يتوقف النزيف الإسرائيلي الذي طال أمده.
من الجانب الآخر، إسرائيل تفاجأت بتنصيب السنوار رئيسًا لحركة المقاومة الإسلامية حماس وهذا يعني لا مفر من شروط السنوار في التفاوض فهو يعرف الإسرائيليين كما يعرفونه، وإلّا فلا بُد من حسم المعركة ميدانيا وهذا صعب جدا على إسرائيل التي بات اسمها في محكمة العدل الدولية وهناك مطالبات في وضع رئيس وزرائها متساويًا هو والسنوار في طلبها لهم في جرائم الحرب، كما إن الاتحاد الأوروبي بدأ في مساواة إسرائيل المظلومة سابقًا في نظره بالفلسطينيين الذين وجدت أنهم على حق وأنهم يحتاجون إلى الدولة الفلسطينية التي هي حق مشروع، وهذا ما صرحت به بعض الدول الأوروبية الكبرى، وهو يعتبر ضغطا كبيرا على إسرائيل، وهناك أيضا الصين وروسيا ودول أخرى تضغط على إسرائيل للوصول إلى حل سلمي لا عسكري.
إيران وحزب الله وجماعة أنصار الله ومليشيات من العراق يشكلون ضغطًا متواصلًا على إسرائيل وأمريكا التي تفكر جيدا في مكانتها الأخلاقية التي وصلت إلى الانحطاط، بعد أن وصلت القضية الفلسطينة مقشرة إلى الإعلام الأمريكي والشعب الأمريكي؛ حيث قامت المظاهرات التي قادها طلاب الجامعات فلا يمكن لها أن تضغط على المحكمة الدولية في شأن إسرائيل لأن هناك دولا ستحاسبها على فعلتها المثل في مذكرة اعتقال الرئيس الروسي.
إذن السنوار سيكون قائدا للمرحلة بكل معنى أرتضته الحركة له وسيكون بطلا قوميا عربيا إسلاميا عالميا لكل أحرار العالم وهذا ما ترغب فيه فلسطين اتجاه إسرائيل فهو ليس من أولئك الذين تشوه عليهم إسرائيل إعلاميا أو بعض المتعاطفين معها ممن يسكنون الفنادق الفخمة والقصور في تلك الدول التي ترعاهم، كما أنها وأمريكا لا تستطيعان الضغط على الرعاة لإخراجهم من كنفها ودولها بل وليس بمقدورهما المساومة عليه في قتله كورقة سياسية قابلة للمناقشة أو حتى في اغتياله بمخطط العملاء والمتعاونين فهو في أرض القتال إما النصر أو الاستشهاد.