علي بن سالم كفيتان
حققت سلطنة عُمان تقدمًا نوعيًا في مؤشر الأداء البيئي العالمي للعام 2024 بتقدمها 99 مركزًا عن التصنيف السابق للعام 2022 (حيث كانت في المركز الـ149 عالميًا)، لتتبوأ المركز الـ50 عالميًا، في تصنيف 2024، والذي أعلنه مركز السياسات والقوانين البيئية بجامعة يِيل الأمريكية.
التصنيف الجديد وضع عُمان ضمن الدول الأكثر تقدمًا في حيوية النظام البيئي بنسبة 42%، والتخفيف والتكيف مع تغير المناخ بنسبة 38%، وتحسين مستوى الصحة البيئية بنسبة 20%، إضافة لمستويات متقدمة في المجالات الأخرى، وبهذا احتلت عُمان المرتبة الثانية على مستوى الشرق الأوسط؛ مما يُعد نقلةً غير مسبوقة للأداء البيئي، ويُعبِّر عن مدى العمل المُخلِص والدؤوب الذي بذلته هيئة البيئة مع جميع الشركاء من الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والتعاون المجتمعي المنقطع النظير مع سياسات التغيير في المجال البيئي.
دلالات هذا المؤشر المُهم تتوافق مع أهداف وطموحات رؤية "عُمان 2040"؛ بل وتتقدم على المستهدف؛ إذ إن سلطنة عُمان وضعت ضمن رؤيتها الطموحة أن تكون ضمن العشرين دولة الأفضل بيئيًا بحلول 2040، وأن تصل ضمن أفضل 40 دولة في الأداء البيئي في عام 2030؛ وها نحن نصل أعتاب الإنجاز الأول بفارق 10 مراكز في عامين فقط، مع بقاء 5 أعوام على 2030. ولا شك أن النهضة البيئية المُتجدِّدَة في سلطنة عُمان تستطيع الوصول لعتبات أبعد من المتوقع وتقليص الفارق لبلوغ الأهداف السامية التي رسمها مولانا جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- مما يؤكد سلامة المسيرة ووضوح الأهداف وإخلاص النوايا. وهذا الإنجاز لم يكن ليتحقق إلّا بتوفيق من الله، ووجود فريق عمل يعمل ليل نهار لحماية ثغور البيئة العُمانية من أعالي جبالها الشمّاء إلى سهُوبها وسهولها الرحبة الفسيحة، ووديانها السحيقة، ورمالها الممتدة، إلى مجاهيل الصحراء، وسواحلها الساحرة، وبحارها الزاخرة بالتنوع والحياة.
الإنسان في سلطنة عُمان مُتصالح مع نفسه مُحبٌ لبيئته بالفطرة يستلهمُ منها حصانة البقاء والعيش الكريم؛ فالعُمانيون مُغرمون بقُراهم وحللهم الرابضة في أكناف الطبيعة، لم تغرِهم المدن الصاخبة والحياة الفارهة، لهذا يعودون كل نهاية أسبوع إلى بلدانهم (البلد) من عاصمتهم الجميلة وحواضر محافظاتهم النابضة بالحياة؛ ليستكينوا في رحابة عُمان وطهرها يغتسلون من ماء الفلج الساقط من أعالي الجبال، ويُمتعون نواظرهم بهدوء القرى الزراعية؛ حيث ما زال الإنسان يُعمِّر الأرض ويتمسك بها. من هنا يلوذ العمانيون بحب بيئتهم ويذودون عنها بكل غالٍ، لم تعد تستهويهم مُتعة الصيد التي كانت في الزمن الغابر ملاذ حياة اليوم يستلون هواتفهم لالتقاط صورة نادرة لكائن جميل ساهموا في حمايته، أو منظر نادر رسمته الطبيعة بعد نزول المطر.
يُشكِّل المجتمع العُماني الأصيل اليوم خط الدفاع الأول لحماية البيئة العُمانية بكل مفرداتها ويساهمون بسخاء ونقاء وطيب خاطر مع هيئة البيئة لإبقاء عُمان بكامل بهائها ورونقها مقصد كل زائر وملاذ كل حائر ضاقت به الدنيا.
تَصدُّر سلطنة عُمان المشهد البيئي في الشرق الأوسط يعني الكثير لبيئة المال والأعمال؛ فهذا المؤشر الإيجابي يساهم بشكل فاعل في إرساء المناخ الاستثماري، ويُعضد كل المؤشرات الأخرى من استقرار أمني وتحسن المستوى الاقتصادي، ويفتح الباب واسعًا أمام الاستثمار الأخضر الذي تبنته السلطنة بكل ثقة، من خلال إرساء مشاريع الطاقة البديلة كطاقة الشمس والرياح والهيدروجين الأخضر وغيرها من النقلات المُهمة، في سبيل تصحيح الوضع البيئي والتماشي مع السياسات العالمية الرامية لتقليل الانبعاثات، والتحوُّل نحو الاقتصاديات الخضراء. ولا شك ان هذا المركز المُتقدِّم يمنح الثقة ويُعزز الخطوات التي رسمتها عُمان لرؤيتها 2040، ويُدلل على أن الركب ماضٍ وفق النهج السامي لبلوغ الغايات النبيلة التي تقود الى تحسين العيش والرفاه الاجتماعي المنشود.
لا يمكن لهذا المقال أن يتجاوز الرجل الذي يقف بكل ثبات ومهنية وتفانٍ وهو يقود القاطرة البيئية في سلطنة عُمان نحو آفاق أرحب وإنجازات أوسع خلال الثلاث سنوات الماضية، لا تُثنيه التحديات ولا يستكين للمبررات، رسم خطًا واضحًا ويعمل على لَمِّ فريقه المُميز بكل طاقاته وخبراته متجاوزًا كل العثرات، وقد عَمِلَ بكل طاقته لخلق بيئة مثالية للتغير في المؤسسة مُتخطيًا حدود المستحيل، فكل شيء أصبح ممكنًا، إذا كان يخدم عُمان بوجود سعادة الدكتور عبدالله بن علي العمري رئيس هيئة البيئة في سلطنة عُمان.
حفظ الله بلادي.