د. عبدالله الأشعل **
القتلُ جريمةٌ في كل النظم القانونية الوطنية، وإذا كان القتل بقصد الإبادة أصبح جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، وإذا كان يهدف- كما تفعل إسرائيل- إلى إبادة العرق الفلسطيني، تتحول الجريمة إلى جريمة إبادة جماعية وإبادة للجنس البشري "Genocide"، وإسرائيل تقتل الفلسطينيين بقصد الانتقام منهم، وفق نظرية نتنياهو؛ فهو قتل انتقام وإبادة، ولهذا فهي جريمة وفق القانون الوطني والدولي، والفاعل فيها مجرم قاتل.
وتتسم هذه الجريمة بأنها تمثل اعتداءً صارخاً على حق الإنسان في الحياة، وقد حصَّنت جميع النظم القانونية الحق في الحياة خاصة الشريعة الإسلامية؛ حيث نصَّ القرآن الكريم على أنَّه "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة: 32) وقيل في قدسية النفس البشرية أنها خلق الله فلا يجوز لبعض خلقه أن يخرجه من الحياة إلى الموت، فهذا سلطان الله هو من يُحيي ويُميت، ولهذا السبب اعتُبر الانتحار والإجهاض جريمة، وإسرائيل برعت في شق بطون الأمهات الحوامل، كما استهدفت الأطفال حديثي الولادة، حتى تقطع جذور الشعب الفلسطيني وتُبيد نسله.
وقد حفل السجل الإسرائيلي بالجرائم ضد الصغار والشباب والأمهات والنساء وحتى الشيوخ. وقد سجّل تاريخ الإجرام الصهيوني تعمُّد الجنود قتل الشاب الجريح ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إليه، وكذلك وَثَّقَتْ صورٌ بشعة مدى إجرام الجنود الصهاينة وهم يخنقون طفلًا وهو ينطق بالشهادتين بعد أن عزَّ المغيث.
كذلك تمارس إسرائيل القتل والإبادة وتزعم أنها مُمارسة لحقها فى الدفاع الشرعي وهي سلطة مُحتلة لا حقوق لها؛ بل إن حق الدفاع الشرعي حق أصيل للشعب الفلسطيني. وهنا اقترحُ جَمْع هذه الفظائع لنُصدرها في "الكتاب الأسود للإجرام الصهيوني". وقد أظهرت إسرائيل بسلوكها البربري كذب الادعاءات الغربية بأنَّ إسرائيل امتداد حضاري للغرب، مهمتها نقل العرب إلى هذه الحضارة. وقد رأينا من سلوك إسرائيل من هو المُحتضِّر ومن هو البربري والهمجي،؛ بل أثبتت إسرائيل أنها امتداد للإجرام الغربي الذي صدَّعنا بالتغنّي بشعارات حقوق الإنسان وهو يدعم إسرائيل بزعم الدفاع عن نفسها.
على الجانب الآخر المقابل للقتل هو القتال، وفاعلُهُ مُقاتِلٌ، والمُقاتِل يكتسبُ احترامًا عبر التاريخ؛ لذلك فإن القانون الدولي أحاطه بامتيازات، كما ألزمه بالتزامات أولها ألّا يتحوَّل المقاتل إلى قاتِل، ويحدث ذلك عندما لا يحترم المُقاتِل أعراف الحرب.
فإذا استسلم المُقاتِل أو جُرح أو مرِض أو أوشك على الغرق، فيجب على العدو أن يكف عن مُواجهته ويتحول إلى أسير له حماية وفق اتفاقية جنيف الثالثة، وإذا خرج من ميدان المعركة أصبح مدنيًا يتمتع بحماية اتفاقية جنيف الرابعة، خاصة إذا تحوَّلت الحرب إلى احتلال حربي وله قواعد صارمة في القانون الدولي.
لا يمكن قبول إبادة إسرائيل للفلسطينيين ومهاجمة المساجد والكنائس والمستشفيات وأفراد الرعاية الصحية كالمسعفين وغيرهم. والملاحظ أنَّ حصانة دور العبادة والمؤسسات الصحية حصانة مُطلقة، فلا يُقبل تبرير إسرائيل سلوكها المشين بأن المستشفيات تُستخدَم من جانب المقاومة. ثم إن إسرائيل تتعمد تدمير دور العبادة والمستشفيات، فإذا كان محظورًا أن يُهاجم أطراف الصراع المدنيين وهذه الأماكن، فكيف يكون هذا الإجرام مُمارسة مشروعة لحق الدفاع الشرعي؟
هكذا لابُد من التمييز بين القتل وهو جريمة، والقِتَال وفق أعراف الحرب، مع احترام المدنيين والأماكن المحمية بما فيها الأماكن الآثرية. فما بالنا بإسرائيل تُهدد زعماء المقاومة بالاغتيال وهو سلوك مُستهجن فى الظروف العادية وأشد استهجانًا وقت الحرب. فهذا الإعلان من جانب مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية دليلُ اتهامٍ جازمٍ ضد إسرائيل، وتسمية إسرائيل القتل المُتعمَّد حتى تُحكِم قبضتها على الشعب الفلسطيني، خاصة وأن سياسة الاغتيالات في إسرائيل سياسة رسمية.
وتدَّعي إسرائيل أنها تُقاتل، بينما هي تمارس فعل القتل. والمقاومة تُقاتِل ولا يجوز لها أن تُقْتَل؛ لأنَّ المقاومة مشروعة في القانون الدولي، بينما الاحتلال الحربي طويل الأجل لا حقوقَ له، خاصة وأنَّ الاحتلال الإسرائيلي هدفه الأساسي التمهيد لطرد الفلسطينيين والاستيلاء على الأراضي.
ويترتب على التمييز بين القتل والقتال النتائج الآتية:
- أن المُعتدي عندما يكون قاتلًا ومغرورًا ولا يعترف بإنسانية الضحية، فإن قِتَالَهُ والصمود في وجهه، واجبٌ أخلاقي وقانوني.
- فِرَقُ القَتل لا حصانة لهم، أما فِرَق القِتَال، لَهُم كل الاحترام والتقدير والحماية.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا