د. عبدالله الأشعل **
بدأت إسرائيل تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، ويقضي المشروع بالاستيلاء على الأراضي دون السكان، وهو التطبيق الدقيق للمشروع الصهيوني في الولايات المتحدة، ثم تقفز إسرائيل في المرحلة الثانية؛ وهي إنشاء إسرائيل الكبرى بضم أراضٍ من عدة دول عربية: مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية.
ونُقل عن نتنياهو أنه قال: لا أمانع في إقامة دولة فلسطينية، ولكن ليس على أراضي فلسطين وإنما في السعودية. وزيارة ولي العهد السعودي لواشنطن ربما تناولت هذا الموضوع، ولكن ولي العهد السعودي ربط التطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين، وهذا هو المستحيل بعينه في نظر إسرائيل وأمريكا، وربما يتم التفاوض بين السعودية وأمريكا حول جزئيات هذا المشروع.
وقد لاحظت أن إسرائيل وراء كل المآسي العربية. معنى ذلك أن إسرائيل تستخف بكل الدول العربية والإسلامية، وتُصوِّر الأمر على أن هذه الدول لا بُد من تدميرها عن طريق القوة الساحقة. وهذه نظرية نتنياهو التي عبّر عنها منذ سنوات. وبالفعل فإن هذه النظرية تتسق مع نشأة إسرائيل التي قامت على إرهاب الفلسطينيين وتدميرهم في موجات متتابعة من الإرهاب، آخرها ملحمة غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.
فماذا تريد إسرائيل من مصر والأردن وسوريا ولبنان غير الأرض؟
أولًا: تريد من مصر أن تخضع لهيمنة إسرائيل، وتريد أن تجرِّدها من عروبتها وإسلامها ومن مصادر قوتها، ولذلك تتآمر إسرائيل على مصر منذ وقت طويل، علمًا بأن مصر هي الوحيدة القادرة على رد إسرائيل وإفشال المشروع الصهيوني لولا هيمنة أمريكا. ويُذكر أن مصر كبرى الدول العربية كانت قد تقاربت مع إسرائيل وأمريكا خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وبالفعل عقدت مصر أول معاهدة للسلام مع إسرائيل، وشخصيًا أعتقدُ أن هذا السلام مبني على شروط إسرائيل أي استسلام مصر. والغريب أن المصريين يعتقدون أن معاهدة السلام هذه عاصمٌ لهم من عدوان إسرائيل، وكان الرئيس الراحل حسني مبارك يفخر بأنه لم تقع حروب في عصره بين مصر وإسرائيل بسبب معاهدة السلام، وربما تكون الحكومات مستعدة للتعامل مع إسرائيل، لكن الشعب المصري- جينيًا- يكره إسرائيل بسبب كراهيتها لمصر وما تفعله في فلسطين.
أما سوريا فإن إسرائيل تريد عقد معاهدة سلام معها تجيز لها أن تحتفظ بالجولان التي اقتطعها ترامب لإسرائيل خلافًا لقرارات الأمم المتحدة. كما تريد إسرائيل أن تثير الأقليات السورية وخاصة الدروز، وربما فكرت في أن تنشئ دولة درزية تضم دروز سوريا ولبنان وإسرائيل.
أما لبنان، فإن إسرائيل تريد عقد معاهدة سلام معها، ذلك المشروع الذي تعطل عدة سنوات بسبب معارضة سوريا التي كانت متواجدة في لبنان حينذاك. وتريد إسرائيل أيضًا أن تُضعف الجيش اللبناني حتى تكون لبنان مسرحًا لنشاط إسرائيل. وتريد إسرائيل أن تُبعد إيران عن "حزب الله"، كما تريد أن تنزع سلاح "حزب الله" عن طريق الجيش اللبناني، وهي أقرب وصفة للحرب الأهلية في لبنان، ولن تهدأ إسرائيل حتى تشعل هذه الحرب الأهلية. والحرب الأهلية تطال حزب الله بالضرورة؛ حيث تدفع إسرائيل إلى هذه النتيجة. وبالفعل تعتدي إسرائيل يوميًا على لبنان وتُقلم أظافر حزب الله وتحرجه في جنوب لبنان.
كما تريد إسرائيل أن تستولي على لبنان وسوريا حتى تؤمن المستعمرات الشمالية في إسرائيل من ضربات حزب الله. كما إن إسرائيل تعبث في سوريا، والثابت أن إسرائيل وأمريكا هما من أزاحا نظام الأسد الذي كان حليفًا لإيران وحزب الله. وتحرص أمريكا وإسرائيل على استقرار النظام الحالي، وقد قدمت أمريكا وإسرائيل له عدة امتيازات، آخرها وأهمها رفع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام الأسد في سوريا. ويُذكر أن إزاحة النظام السوري كانت سابقة لن تتكرر في العالم العربي، ويخطئ من يعتقد أن الثورة نجحت في سوريا.
وهذه النظرة تحتاج إلى دراسات عميقة، وتحرص إسرائيل وأمريكا على تفادي هذه النظرة، لأن نجاح الثورات العربية في العالم العربي يطيح بحلفائهما. فقد تم قمع الثورات العربية بلا رحمة في كل الدول العربية، وفي كل دولة وصفة خاصة لقمع الثورات العربية. والثورات العربية كانت تبشر بعصر جديد من تحرير العالم العربي والتخلص من حكامه، ولذلك رأت أمريكا وإسرائيل أن تقمع هذه الثورات في مهدها.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
