عمير العشيت
تُمثِّل الاستثمارات الأجنبية هي إحدى أهم المغانم الأساسية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة في العالم، والمحفِّز القوي للنمو وزيادة الناتج المحلي، ومساهما فاعلا في الدخل الوطني، ولقد لعب الاستثمار دورًا بارزًا في الدول النامية في ثمانينيات القرن الفائت، وهي الفترة الحقيقية لتصاعد الاقتصاد العالمي في النمو وجذب الاستثمار؛ فقد استطاعتْ هذه الدول استقطاب العديد من كبار المستثمرين الأجانب، فتحوَّلت خلال فترة زمنية وجيزة إلى دول اقتصادية منافسة للدول الصناعية، واحتلَّتْ مواقع دولية مهمة، وأصبحت مؤثرة في واقع سياسات اتخاذ القرارات العالمية، بل حتى إنها بدأت تقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية للدول الفقيرة الأخرى.
أمَّا مفهوم الاستثمار الأجنبي عند المشرِّع العُماني، فقد حدَّده المرسوم السلطاني رقم 50/2019 بإصدار قانون استثمار رأس المال الأجنبي في المادة (1)، والتي نصت عليه في البند (ز) على ما يلي: "أيُّ نشاط اقتصادي يُقيمه المستثمر الأجنبي بمفردة أو بمشاركة أجنبي آخر أو عماني في السلطنة".
وبدأت سلطنة عُمان فتح نوافذ الاستثمار الأجنبي الفعلي في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، مع أن مرحلة التوقيت جاءت متأخرة إلى حدٍّ ما، نظرا لاستحواذ دول المنطقة كأغلب المستثمرين الفاعلين فضلا عن تحفُّظ بعض القوانين في مجالات الاستثمار في ذلك الوقت، وفي عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وبنظرته الثاقبة، فقد ركَّز جلالته على قطاع الاستثمار كبديل آخر للنفط، استنادا لسياسات تنوع مصادر الدخل، وتماشيا مع السياسات الاقتصادية العالمية؛ حيث منحت حكومة السلطنة في السنوات الأخيرة الماضية مزيدًا من الصلاحيات والامتيازات والإعفاءات وإزالة بعض القيود عن المستثمرين، مما أسهم في تعزيز الاقتصاد العماني، ورفع نسبة الناتج المحلي، وتراجع العجز الفعلي للميزانية العامة للدولة. ولأهمية هذا القطاع في السلطنة، فقد أضافت حكومتنا الرشيدة مصطلح ترويج الاستثمار إلى مُسمَّى وزارة التجارة والصناعة. وفي آخر الاحصائيات الأولية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فقد بينت أنَّ حجم التدفقات في الاستثمار الأجنبي المباشر سجَّل نموا بلغ 57.5 بالمائة حتى نهاية العام 2023، وهذا مُؤشر جيد للاقتصاد العماني، ويعتبر من مغانم الاستثمارات الأجنبية في السلطنة.
أمَّا مغارم الاستثمار الأجنبي، فتتمحور في احتمال تزايد عدد المستثمرين غير الجادين في هذا المجال؛ أي الذين يلجأون لأساليب غير جيدة لتحقيق أهدافهم وحصولهم على تراخيص مستثمر، وقد يتحولون إلى عبء على الاقتصاد الوطني والمجتمع، وقد تكون مشاريعهم وهمية، مُستغلين الحوافز التي قدَّمتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار؛ من خلال البرامج المسجلة في مكاتب الخدمات الإلكترونية، وأيضا المُستفيدين من فترة تمديد إنشاء المشروع الذي من المُمكن إطالته لفترات زمنية تزيد عن سنة، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية حيالهم؛ وبالتالي أصبح العامل البسيط -كفني المركبات أو خادمة المنزل- بين ليلة وضحاها يحصل على بطاقة مستثمر تجاري بمنتهى السهولة، من خلال استخراج التراخيص من مكاتب الطباعة وتخليص المعاملات، ونتيجة لذلك فإنَّ الأعداد تتزايد شيئًا فشيئًا، وكل غاية هذا العامل أو العاملة فك الارتباط الذي بينه وبين صاحب العمل، بحيث تكون له حرية ممارسة الأنشطة التي من المحتمل أن تكون غير قانونية أو لا أخلاقية، ناهيك عن استغلال بعض المستثمرين باستدراج بعض المواطنين للمشاركة في مشاريع وهمية، أو الدخول في شركة غارقة في الديون دون معرفة المواطن.
هناك أيضًا مغارم أخرى لهذه الفئة تتعلق بمعاناة حقيقية من قبل بعض المواطنين الذين تضرَّرت أنشطتهم التجارية، وما خلفه ذلك من تحديات أمام عدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورجال ورواد الأعمال، وأيضا الباحثين عن عمل، الذين وصلوا مرحلة متأخرة من العمر وهم ما زالوا في إطار البحث عن عمل، وليست لهم رواتب شهرية تكفل لهم العيش الكريم، ولتغطية هذا النقص حاولوا ممارسة أنشطة تجارية بسيطة توفِّر لهم ولأسرهم لقمة العيش، لكنهم الآن يواجهون أعداد من العمالة الوافدة يمارسون أعمالهم كمستثمرين، وصاروا منافسين شرسين لهم؛ مما اضطر البعض منهم لإغلاق أنشطتهم، وأصبحوا بلا وظائف، ونظرًا لذلك فإننا نُناشد الحكومة الرشيدة النظر بعين الاعتبار للباحثين عن عمل ومنحهم رواتب شهرية من صندوق المنفعة الاجتماعية، لمواكبة متطلبات الحياة وغلاء المعيشة التي طالت الصغير والكبير، ولم تفرِّق بين غني وفقير.
والشاهد هنا أنَّ الكثير من الدول الجاذبة للاستثمار تشترط توظيف كافة المواطنين في المشاريع الاستثمارية كشرط مبدئي؛ فالهدف من قانون الاستثمار تنويع مصادر الدخل وتوظيف المواطنين وتشجيع عجلة النمو في التنمية الشاملة. لذا؛ فالمصلحة العامة تقتضي مراجعة مثل هذه القوانين والقرارات، والتحقُّق من مدى جدية المستثمر الحقيقي في مجالات الاستثمار، وأيضا سحب تراخيص المستثمرين غير الجادين.