عطب الروح

 

سالم بن نجيم البادي

 

عندما يأتي رمضان يحاول ضحي جاهدا ترميم روحه التي أصابها العطب على مدار العام ويريد أن يسقيها بماء الإيمان والتقوى حتى تزهر من بعد الجفاف الذي طال أمده، وهو ينتظر رمضان بروح مشتاقة وقلب ينشد السلام بعد أن مزقته الرغبات والأهواء والأمنيات الذاهبة والجري خلف السراب والتيه في وادي الضياع، وصار كريشة في مهب الريح لا يدري أين المستقر.

كل الدروب صارت مكسوة بالضباب والغبار، وقد أصابه الغبش وضاعت معالم الطريق، وأضحى يمشي على غير هدى في هذه الدروب المسرفة في الطول والعرض واللانهاية وعقل ضحي إن كان بقي له عقل فهو يؤمن بمقولة إن بعض الجنون لا يضر، وإن صاحب العقل شقي بعقله.

وعقل ضحيّ تتناوشه أسئلة متشعبة وكثيرة حول الحياة والموت والدين والدنيا والبشر والوجود، وأسئلة عقل ضحيّ تحلق خارج حدود المنطق والمعقول. وقد أضحى غريبًا في محيطه؛ وكأنه حبيس شرنقة فكره ويعاني من أعطاب في قاع روحه الباحثة على الدوام عن شيء ما لا يعرف ما هو ومع ذلك هو لا يكف عن البحث عن هذا المفقود، والناس يحسبون أنه ساذج ومغفل، وضحيّ يعجبه هذا الوصف حتى يتمادى في إثبات أنه كذلك، وهو يجيد التمثيل وتقمص شخصيات عدة، والظهور في أدوار كثيرة في آنٍ واحد، ويعيش في أكثر من جلباب. غير أنه يعود شخصًا سويًا إذا أقبل رمضان وحين يؤذن للصلوات الخمس، وحين يدلف إلى المساجدـ وإذا سألوه عن أحب الأماكن إليه أجاب إنها المساجد، وهي أول ما يبحث عنه عند سفره إلى البلاد البعيدة وهي الدفء الذي يلجأ إليه كلما لسعه صقيع الحياة. ويجد في الصوم والعمرة والحج وسائر العبادات لذة ومتعة وراحة وهدوءا يداوي روحه المصابة بالعطب.

وهو لكل ذلك ينتظر رمضان ليجد ذاته الضائعة ويكون كما هو بشرًا سويًا، وثيقَ الصلة بخالقه العظيم، القوي القادر على كل شيء، وهو عبدالله الضعيف الذي يتوسل إلى الله أن يغمر روحه بالسلام.