المدرب من حيث واقع وملموس التدريب

 

 

فيصل بن علي بن منصور العامري *

لا شكَّ أنَّ التدريب يعدُّ الركيزة الأساسية بين التطوير التنظيمي للقطاعات في مختلف المنظمات؛ وذلك لأسباب الثورة المعرفية التي تدور على العالم بشكل أجمع، وعليه فإن قطاع التدريب هو المسار الذي من خلاله تنتشر ثقافة تبادل المعرفة بين جميع المؤسسات لتكون مخزونا معلوماتيا متاحا لتطوير المستقبل، وذلك من خلال استثمار جميع الموارد وبالأساس القطاع المال البشري؛ حيث أولت الحكومة الرشيدة اهتمامها بالكادر البشري، وهذا لن يتحقق إلا بوجود مدربين خبراء يتمكنون من تحويل واقع المعرفة إلى اتجاه، ثم إلى سلوك ملموس يُمَارَس داخل وخارج بيئة المنظمة.

وهنا سوف أعرِّج على نوعية البرامج والمدربين من حيث المواصفات والخبرات التي تُطلق على الشخص أن يكون مدرباً. وحسب التعريفات العلمية للمدرب، فهو الشخص الذي يملك الخبرة العلمية والعملية التي من خلالها يستطيع إبراز المعرفة وتحويلها إلى اتجاه وسلوك في المتدرب يعكس الأثر على المنظمة. وهنا نقول دائما المدرب ليس معلما، وإنما يعدُّ خبيراً قد مارس عمليتين من المعرفة؛ وهما: المعرفة العلمية والمعرفة العملية، وهذا يعني نجاح العملية التدريبية من حيث دراسة وتشخيص الاحتياج التدريبي، ثم اختيار الفئة الوظيفية، ثم تصميم البرنامج حسب نتائج الاحتياج وتوافقها مع أهداف المنظمة وربطها بالمسار الوظيفي، ثم اختيار نوع البرنامج أو الحلقة أو الورشة، ثم تقييم واختيار المدرب، ثم توفير بيئة التدريب من خلال الأنشطة العلمية المرتبطة بالمادة العلمية، ثم تنفيذ البرنامج والتقييم والتحسين المستمر على الموظف والمدرب والبرنامج.

وفي الآونة الأخيرة، نرى في عالم التدريب توجهًا جديدًا من المدربين؛ الأول وقد كثر مدربون امتهنوا المهنة من خلال برامج إعداد المدرب وحفظ المادة النظرية، وتقديم الألعاب التي لا تمت للتدريب بصلة، والبعض قد امتهن برامج تخصصية ليست في مجال دراسته أو عمله، مما عكس واقعاً متدنيًا للحصيلة التدريبية.

أما الجانب الثاني، فهم مدربون متخصصون، وكانت لديهم حصيلة علمية وعملية وقد بدأوا مشاركة الآخرين الخبرات والمعرفة من أجل التطوير والتقويم العملي؛ بشقيه: الإداري والتخصصي في المنظمة، وهم ما يسمون المدربون الحقيقيون الذين يستطيعون إثراء المعارف وحل وتطوير المشكلات بالمنظمات.

وكما تعلمون، فإنَّنا في الآونة الأخيرة نرى إعلانات عن مدربين في شتى المجالات، وهم في الأصل لم يخوضوا التجارب العملية والعلمية من حيث أنهم مدربون؛ حيث يوهمون الآخرين بالمقدرة على تغيير الواقع ومنح الشهادات التي لا تؤدي إلى التطوير الصحيح. وهذا يتطلب وجود قيادات في مراكز التدريب بالمنظمة مؤهلة تأهيلا تاما من حيث تقييم الاحتياج التدريبي للمنظمة وكذلك، اختيار المدربين؛ لكي ينعكس التدريب إلى واقع ملموس يكون له أثر على الموظف والمنظمة والمجتمع، ولأن القصور والتجاوز وارد على العملية التدريبية؛ حيث توجد مسميات للتدريب كالحلقات التدريبية، والورش التدريبية، والبرامج التدريبية، والإضاءة الفكرية، والكوتشنج...وإلى آخره.

وبناءً على ما سبق، ذكره نستخلص أن عملية التدريب ليست بنزهة عن العمل وليست سفراً وإنما هي رحلة علمية من أجل الحصول على المعارف وتغيير الاتجاهات والسلوكيات الخاطئة والتحسين المستمر الذي من خلالها تجعل الموظف قادراً على مواكبة التغيير على نفسه والمنظمة والمجتمع معا. وهنا، يتوجَّب على القادة في المنظمات إلى الاهتمام بعالم التدريب والعمل بثقافة العائد من التدريب، وذلك من خلال تطوير الموظفين وربطهم بالمسار التدريبي بالمسار العلمي من أول يوم عمل إلى آخر يوم عمل؛ وذلك وفق خطط مدروسة على يد خبراء قادرين على قراءة وتقييم واقع التدريب الداخلي والخارجي للمنظمة.

* متخصص في التنمية البشرية والتطوير المؤسسي، باحث دكتوراه في فلسفة الإدارة والعلوم الاقتصادية

تعليق عبر الفيس بوك