أحمد السلماني
لم تأتِ الكتابة عن ملف الفرق الأهلية من فراغ؛ بل دفعت إليها معطيات واقعية ومؤشرات إيجابية تعكس أهمية هذا القطاع الحيوي؛ بدءًا من الدعوة التي وجهها سعادة خميس بن حمدان الغافري ممثل ولاية الرستاق في مجلس الشورى لطرح مقترحات لتطوير الفرق الأهلية، مرورًا بالاجتماع الذي عقدته إدارة نادي الرستاق صباح أمس السبت مع رؤساء وممثلي الفرق الأهلية، في خطوة تؤسس لمرحلة جديدة من التكامل بين النادي ومحيطه المجتمعي، وتفتح بابًا جادًا لإعادة صياغة العلاقة بين الأندية والفرق على أسس أكثر واقعية وفاعلية.
الفرق الأهلية اليوم لم تعد مجرد نشاط تطوعي محدود، بل أصبحت واقعًا مجتمعيًا متجذرًا، تستفيد من أنشطتها وبرامجها وفعالياتها شريحة واسعة من المجتمع، وخصوصًا فئة الشباب. هي الأقرب للناس، والأكثر التصاقًا بتطلعاتهم، والأقدر على استقطابهم، وهو ما منحها دعمًا مجتمعيًا واسعًا، وحضورًا جماهيريًا لافتًا، جعل مبارياتِها في كرة القدم مثلا أكثر زخمًا وتأثيرًا من بطولات ومسابقات اتحاد الكرة.
هذا الواقع يؤكد أن الفرق الأهلية باتت رافدًا مهمًا للأندية، بل وسحبت البساط منها جماهيريًا وتنظيميًا في بعض المواقع، ليس ضعفًا في الأندية بقدر ما هو قوة في حضور الفرق الأهلية داخل مجتمعاتها. وهي تمتلك اليوم بنية رياضية أساسية مقبولة، من ملاعب ومنشآت وإدارات تطوعية راكمت خبرات تنظيمية حقيقية، ما يجعل تجاهلها أو التعامل معها كملف ثانوي خطأً استراتيجيًا.
ومن هذا المنطلق، تبرُز الحاجة إلى مشروع وطني متكامل لتطوير ودعم الفرق الأهلية، يقوم على تمكينها ماليًا عبر تخفيف الأعباء التشغيلية للكهرباء والمياه والرسوم، وإعادة الدعم المباشر وفق معايير واضحة، وتمكينها استثماريًا من خلال تسهيل منح الأراضي والمنشآت، وتسريع التصاريح وتقليص سلسلة المخاطبات الرسمية وما تعانيه من بيروقراطية، وإنشاء صناديق استثمارية مشتركة تحقق الاستدامة. كما يتطلب الأمر تنظيم عمل الفرق عبر حوكمة واضحة، ولائحة موحدة، ورابطات تمثلها داخل الأندية، وفتح المجمعات الرياضية أمامها وفق ضوابط. ويكتمل ذلك بوضع نظام وطني لتصنيف الفرق بدرجات أو نجوم، يُربط به الدعم والامتيازات، إلى جانب استحداث بطولات خاصة بها، وتفعيل مشاركتها في مسابقات الاتحادات، وتمكينها ثقافيًا واجتماعيًا، وصولًا إلى تحويلها تدريجيًا إلى أندية هواة بهوية قانونية أوضح.
الفرق الأهلية- وبالشراكة مع الأندية- تمثل البيئة المُثلى لإنشاء مراكز تدريب حقيقية لمختلف الرياضات، خصوصًا كرة القدم والرماية، في ظل الانتشار غير المنضبط لما يسمى بالأكاديميات، والتي يمكن أن تتحول عبر الفرق الأهلية إلى مدارس ومراكز تدريب معتمدة ومدعومة بالكفاءات.
إنَّ التجربة العُمانية في الفرق الأهلية تجربة فريدة على مستوى المنطقة، وإذا ما أُحسن استثمارها، فإنها قادرة على إحداث فرق حقيقي في تطوير الرياضة العُمانية، وتوسيع قاعدتها، وتمهيد الطريق نحو العالمية ومنصات التتويج. ولذلك نؤكد أن دعم الفرق الأهلية اليوم ليس ترفًا؛ بل ضرورة وطنية واستثمار مباشر في المجتمع والمستقبل.
