حمد بن سالم العلوي
تُرى ما هذا الذي يجري في عالمنا العربي؟! ما أصبح بوسعنا أن نُدرك ما يدور من حولنا من تنكر وتنصل من بعضنا البعض؟! كنت أظن جازمًا لو أتت دولة صهيونية أكثر قسوة وغلظة من الدولة الصهيونية التي تحتل فلسطين اليوم، وقالت أنا سأحارب إسرائيل وأعيدها إلى رشدها، لوقفنا إلى جانبها دون تردد، ذلك نزولًا مع الحكمة التي تقول؛ عدو عدوي صديقي، فما بال أن يكون هذا المحارب، هو ابن الأرض المُحتلة، وقد عانى الويلات والذل على مدى 75 سنة مضت، وأصبح اليوم على مفترق طريقين؛ وهما التصفية الجسدية أو التهجير القسري والشتات في الأرض، والواجبان الديني والأخوي يحتمان على أبناء جلدته الوقوف معه، ومناصرته من أجل الانتصار على المحتل لأرضه والمغتصب لحقوقه.
ولكن.. وفي خضم احتدام المعارك مع العدو الصهيوني، يأتي وزير خارجية مصر "كنانة العرب" فيطلق تصريحًا مُحبِطًا وباللغة الإنجليزية، وذلك حتى يصل إلى الشعوب الغربية بسهولة، فيقول إن منظمة حماس خارج الإجماع الفلسطيني، والحقيقة ليست حماس وحدها اليوم في ساحة المعركة، وإنما مجموعة فصائل فلسطينية أخرى، ومنها منظمة الجهاد الإسلامي، ومنظمة أبوعلي مصطفى وكان اسمها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وأسسها جورج حبش، وقد خالف الوزير المصري ما يعرفه عامة النَّاس، من أنَّ السلطة الفلسطينية في رام الله هي خارج الإجماع الفلسطيني، ولقد أراد أن يخرج حماس من الإجماع الفلسطيني الذي تحقق لها في الانتخابات التشريعية في عام 2006، وكان يريد بذلك أن يُعرّي حماس ولكنه قد أضر بنفسه أمام الأمة العربية، عندما زعم أن منظمة حماس التي تحارب إسرائيل بكل قوة وبسالة اليوم، فصوّرها أنها خارج الإجماع الفلسطيني، ثم يأتي بهذا الحديث والناس في قلب المعركة، وكأنه يقول؛ لشعوب العالم التي أجمعت على نصرة فلسطين، انفضوا عن مناصرة القضية الفلسطينية، لأنَّ حماس خارج الإجماع الفلسطيني.
فأية فاجعة أكبر من هذه الفاجعة؟! فهل يريد أن لا تكون مصر كنانة للعرب؟ أينقع (أينفجر) بنا محزم ذخيرتنا ونحن في ساحة الحرب المصيرية، ثم من أين أتى معاليه بهذه المعلومة الصادمة، فهل أُجريت انتخابات بعد انتخابات 2006 لتبدل الحال عما أصبح عليه واقع الحال اليوم، وهي قد أتت نتيجة لفوز ساحق في الانتخابات، وكانت ستتولى رئاسة الحكومة الفلسطينية، لولا رفض الدولة المحتلة لنتيجة الانتخابات، فهل نحن في صف المحتل أم في صف صاحب الأرض؟!
عُمان تعرضت لحالة شبيهة بما يحصل لأهل غزة اليوم، وذلك عندما اندلعت الحرب في اليمن عام 2015، وما تزال تداعياتها مستمرة إلى اليوم، فيما التزمت عُمان بحيادها، ورفض التدخل في شأن الآخرين، ولكن عُمان فتحت حدودها ومطاراتها وموانئها ومستشفياتها لعلاج المصابين من اليمنيين من كل الفرق والأحزاب دون استثناء، فمن استطاعت أن تعالجه داخل عُمان قد عالجته، أما الحالات الأكثر خطورة فكان يتم إرسالهم للعلاج في الخارج، ولم تقم بأية بهرجة إعلامية في ذلك، وقد كانت تخاطر بإرسال الطائرات إلى اليمن لإحضار المصابين، وكان هذا يجري والحرب والقصف الجوي على أشدهما، ولولا أن اليمنيين هم من ذكروا هذا، لما علم عنه أحد إلى اليوم والغد، لأنَّ مساعدة الجار ليس فيها شيء من المِنة، وإنما واجب تفرضه الأخلاق والدين.
وعُمان التي بدأت نهضة حديثة من خمسين عامًا ونيف، فلا تزال تنشد الهدوء والسكينة، لكي ترعى نهضتها حتى تكتمل، ومع ذلك؛ فلم يتردد وزير خارجيتها عن الإجابة على الغربيين بطريقة مغايرة عمّا يُطرب مسامعهم، عندما طلبوا منه وهو في عقر دارهم، أن يدين حماس ويصفها بالإرهابية، كما هم يصورون ذلك، فقال لهم إن حماس ليست منظمة إرهابية؛ بل هي حركة تحرر وطني، وأن إسرائيل مُعتدية، ويجب أن تُحاكَم دوليًا، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نصرُّ عليها، ولا نتنازل عنها.
إذن؛ لا يجوز اليوم القيام بأي فعل أو قول؛ يُفضي إلى تشتيت الجهود والمواقف، حتى تضع الحرب أوزارها، لأن أي موقف مغاير لتوجهات المعركة، لن يخدم سوى المجرم نتنياهو، الذي أصبحت تدينه شعوب العالم أجمع على إجرامه، وذلك لقيامه بمحرقة نازية وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ويجب ألا تؤثر تصريحات المسؤولين سلبًا على سير المعركة، بينما العدو يحتل أرض فلسطين العربية، ويمثل رأس حربة للغرب حتى يحققوا حلمهم في القضاء على الدول العربية، التي يعدونها الأكثر تمسكًا بالدين الإسلامي. وربما لا يكون هذا الكلام في محله اليوم، وذلك بعدما احتُلت الكثير من الدول العربية "بالريموت كنترول"، وإنما الذي يُحارب الشعب الفلسطيني ويريد فناءه وفناء العرب جميعًا، هم اليهود الصهاينة، وذلك من أول من نزل الإسلام على صاحبه أفضل الصلاة والسلام. أليس الله القائل في محكم كتابه العزيز: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا" (المائدة: 82) وقوله عز وجل لا يحده زمان أو مكان، فيظل الحكم الإلهي قائم إلى ما شاء الله أن يظل، ختمت بالعداوة لليهود على الإسلام، بختم لا يزحزح عنهم، مهما صور للناس أنهم عكس ذلك، ولن يسلم من عداوتهم إلا من كان منهم، أو قبل بالعبودية لهم كما يقول تلمودهم في البشر من غير اليهود، فهم مجرد حيوانات في صورة بشر خلقوا لخدمتهم.
فلا نقول؛ إلا صبرًا أهل غزة العزة، إن النصر آتٍ، وأن لا أحد سيموت بغير تقدير من الله، وهم مكرمون بالشهادة والحياة الأبدية.. وإنه لجهاد؛ نصرٌ أو استشهاد.