سهرة عيد الربيع الصيني

 

تشو شيوان

إذا زرتَ الصين أو بيوت أصدقائك الصينيين، خلال الفترة الحالية، ستجد أن الشوارع والحدائق والميادين والبيوت مزينة بعناصر وألوان عيد الربيع الصيني؛ حيث يحتفل الصينيون في كل أنحاء العالم بعيد الربيع الصيني خلال هذه الأيام بشكل حيوي ونشاط، إذ إنه أهم عيد تقليدي بالنسبة إلى الصينيين منذ آلاف سنة.

وفي خطابه بمناسبة السنة الصينية الجديدة، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن شكره للصين والشعب الصيني على دعمهما الثابت للأمم المتحدة والتعددية والتقدم العالمي، وقد أكد الرئيس دينيس فرانسيس، رئيس الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة عند إدراج عيد الربيع الصيني ضمن عطلات الأمم المتحدة، أن هذا يعني الدور المهم الذي تلعبه الصين في منظومة الأمم المتحدة والحفاظ على التعددية، ويظهر أن الشعب الصيني مستعد لتقاسم ثقافته مع شعوب دول العال، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، ويجب أن يعي العالم هذا الدور الهام للصين عالميًا ويجب الاعتراف بأن الصين اليوم تقاسم العالم التنمية والثقافة على حد سواء مع التنمية الاقتصادية والتجارية.

ويُصادف هذا العام عام التنين، ويرمز التنين إلى القوة والازدهار والحكمة، ويعتبر عام التنين عامًا مهمًا في الثقافة الصينية؛ حيث إن التنين رمز للثقافة الصينية والحيوان الأسطوري المرتبط بعمق بالتاريخ الصيني، وأن يأتي عام التنين فهذا يعني الكثير بالنسبة للصينيين، حتى إن مواليد هذا العام لديهم رمزية بأن حظوظهم عالية ومرتفعة في حياتهم، وقد ذكرت هذا الأمر في طرح سابق ولكن يجب القول إن هذا العام سيكون مهمًا للصين وتعاطيها العالمي، وأجد أن عام التنين سينعكس بثقافته وقوة تأثيره ورمزيته على تجاوب الصين مع مختلف القضايا الدولية.

ومن الملاحظ أن تقاليد عيد الربيع الصيني لا تقتصر على الصين فقط؛ بل تمتد إلى الدول الآسيوية الأخرى أيضًا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وفيتنام، وتايلاند، وسنغافورة، وماليزيا بفضل تأثير الثقافة الصينية منذ التاريخ الطويل، والآن يحتفل 20% من سكان العالم بعيد الربيع الصيني بأشكال مختلفة. ومع مرور الأيام، تشارك مزيد من الدول في إقامة فعاليات احتفالية بمناسبة عيد الربيع الصيني بما فيها الإمارات ومصر وغيرهما من الدول العربية الأخرى، فكيف يصبح عيد الربيع الصيني حدثًا ثقافيًا عالميًا؟

ولكي أجيب على هذا التساؤل، أعتقد أن عيد الربيع الصيني يُظهر المفاهيم الثقافية الصينية المتمثلة في تحقيق السلام والتناغم والسعادة وجمع شمل، ومن خلال المشاركة في فعاليات وأنشطة عيد الربيع الصيني المختلفة مثل رقصة التنين والأسد، وكتابة مقاطع عيد الربيع، وغيرها من الفعايات الأخرى، فيمكن للمواطنين في جميع أنحاء العالم معرفة وفهم الصين بشكل أكبر وأعمق، وإدراك الثقافة الصينية التقليدية المتميزة منفتحة وشاملة ومبتكرة.

وعلاوة على الأنشطة التقليدية الاحتفالية بمناسبة عيد الربيع الصيني، أصبحت مشاهدة سهرة عيد الربيع الصيني من التقاليد الحدثية بالنسبة إلى الشعب الصيني خلال السنوات الماضية. وخلال سهرة عيد الربيع التي تنتجها مجموعة الصين للإعلام، بثت أكثر من 2100 وسيلة إعلامية من 200 دولة ومنطقة حول العالم، السهرةَ بشكل مباشر، إضافة إلى تقارير متزامنة مع أكثر من 649 مليون مشاهدة، و210 ملايين مشاهدة عبر الفيديو في ذات اليوم؛ حيث تتمتع شعوب العالم بحيوية الثقافات والفنون الصينية بفضل دعم التكنولوجيا الحديثة المتقدمة.

إنَّ الصين والصينيين يحتفلون هذه الأيام بعيد الربيع الصيني؛ وهي فرصة لكل شخص ليتعرف على الثقافة الصينية وطريقة الاحتفال بالعيد، وهناك تقارب كبير بين التقاليد الصينية والتقاليد العربية في استقبال الأعياد من حيث تجمع الناس والعائلة والأصدقاء وتزيين الشوارع والميادين، وأيضا تنظيف البيوت استعدادا لاستقبال الزوار، وحرص المغتربين على العودة إلى ديارهم ولبيوت أهلهم، ليجتمعوا بهم في العيد.

ومن هنا.. يُمكننا القول إنَّ عيد الربيع الصيني قد أصبح نافذة مهمة بالنسبة إلى شعوب دول العالم للتعرف على الثقافة الصينية، وقد تجاوزت سهرية عيد الربيع الصيني حدود البلاد، وانتشرت في كل أنحاء العالم، وأجد بأنه من وأجبي كصيني أن أشارك الأصدقاء العرب في مناسبات ولقاءات عدة للحديث عن الصين وتقاليد عيد الربيع الغنية والعميقة، وأجد أنه من الرائع أن أجد قبول لدى العرب للتعمق بالثقافة الصينية، وأجد أن هذا هو النجاح بعينه بأن نتقارب كشعوب وثقافات.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية