راشد بن حميد الراشدي **
عشرات المقالات التي أنقل فيها مُعاناة أبناء عمان وجيلها الصامد تحت ضغوطات الحياة والبحث عن عمل عبر ملفات التوظيف التي لم تفتح حتى اليوم، إلا على استحياء، وكأنَّ في أذن المعنيين وقر وصمم مستديم، لا أمل في شفائه وعافيته .
فمع أول إعلان خلال هذا العام 2024 من وزارة العمل نتفاجأ بأن يتقدم أكثر من 70 ألف مستوفٍ للشروط مقابل 386 وظيفة وفرصة عمل حكومية معلنة في إعلان التوظيف مع ترقب كبير من الشباب لإعلان فرص وظيفية بالآلاف بعد تحسن الأداء المالي للسلطنة.
رقم فلكي كهذا لعدد المتقدمين في دولة بكر تزخر بالثروات والخيرات مقابل أكثر من 1.8 مليون وافد يعملون فيها، بينما هناك مواطنون ما زالوا يبحثون عن عمل.
آلاف الباحثين عن عمل اليوم وكذلك المُسرَّحين مع تكالب متطلبات الحياة يعيشون بلا مصدر رزق، وهم في مقتبل العمر وزهرة وقوة الشباب وأوج أوقات إنتاجهم بعدما تسلحوا بأفضل الشهادات العلمية ومن أعرق جامعات العالم.
في المقابل هناك عشرات الآلاف من الوافدين يعملون في معظم الشركات والمؤسسات، يشغلون فرصًا وظيفية يمكن أن يشغلها الخريج، إذا وجد التعمين الصادق، وكُنا جادين في إحلال المواطن الخريج ذي الكفاء وهممه المتقدة والتي تتجلى في عطائه ومحبته لوطنه.
وفي خضم هذا، هناك أدوار غير فعّالة لوزارة العمل والجهات المعنية عن التوظيف حول هذا الملف المهم لأجيال عُمان والتي تقف في طوابير بالآلاف أمام وظيفة واحدة، وعندما تريد أن تبحث عن مصدر رزق ليس لها سوى الخروج للبيع في أكشاك الشوارع، وكم رأينا في مختلف ولايتنا، العشرات منهم وهم يشتكون حالهم وقلة حيلتهم.
وعندما نتحدث بشفافية حول هذا الملف الذي يقلق كل بيت وهو واضح المعالم للجميع كشمس الظهيرة، يتنادى البعض بأن هناك أزمات اقتصادية وأن هذا الملف في كل البلدان وهو انعكاس لذلك، لكنني أجد ذلك أسطوانة مشروخة لا أعرف ما الهدف منها!
آلاف الوظائف والفرص في بلادي متوفرة، وإذا ما تم تعمين المهن لن تجد باحثًا عن عمل أو مُسرَّحًا.
عشرات القصص لهروب مستثمرين وعاملين من الوافدين بمبالغ كبيرة بعد أن أمنوا الحساب والرقابة. في المقابل، هناك آلاف القضايا المرفوعة على المواطنين أصحاب المؤسسات والشركات المتعثرة والمفلسة، يُزَج بهم في السجون.
حلول بسيطة في يد وزارة العمل والجهات المعنية بالتوظيف، من خلال إجراء دراسات ميدانية حقيقية لإعداد العمالة الوافدة في السلطنة والتخصصات التي يشغلونها، والنظر في طبيعة الوظائف التي يُمكن للباحثين والمسرحين عن عمل الاشتغال فيها.
عقود العمل والتدريب على رأس العمل ليست سوى حلول مؤقتة لملفات التوظيف، يجب أن ندرس جدواها.
إننا نحيا اليوم في نهضة متجددة ترفد الوطن بالخيرات وتوفر للمواطن العيش الكريم، عبر توفير فرص وظيفة مناسبة ودائمة، نتمنى أن يكون التوظيف فيها للمواطن فقط.
وهنا يجب أن تُطبّق القوانين المعنية بالتوظيف والإحلال ترجمة لأولويات الرؤية الحكيمة لعُمان، والتي نادى بها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- ويسعى لتحقيق جميع مفاصلها.
وزارة العمل وكل الجهات المعنية يجب أن تعود لدورها الأساسي وهو الاهتمام بملفات توظيف أبناء الوطن؛ حيث تمدد هذا الملف كثيرًا ولم ينكمش حتى اليوم.
البحث عن موطن الخلل وتشخيص الملف وإيجاد الحلول هو واجب وطني كبير ومسؤولية جسيمة تقع على عاتق كل مسؤول، وأن تقوم كذلك الشركات والمؤسسات بدورها من خلال دعم هذه التوجهات ومساندة الحكومة في حلحلة هذا الملف وإعادته لنسبة معقولة.
إنني أناشد جميع المعنيين بهذا الملف، بضرورة الاهتمام به، فلقد تزايدت الأعداد وشحت الوظائف، ونُريد أن نضمن المستقبل المشرق لعُمان، والذي لن يتحقق بدون سواعد أجيال عُمان وشبابها؛ فعسى تأتي الحلول قريبًا ونرى أبناء الوطن يقودون دفة اقتصاده وبنائه في كل مجال وموقع.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها، وأنعم عليهم بالخير والبركة، وفكَ كُرب الباحثين عن عمل وأسرهم. إنه سميع مجيب الدعاء.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية