المنظومة الرياضية.. ذئب أبناء يعقوب

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

جاء خروج منتخبنا الوطني من منافسات كأس آسيا 2023 المقامة في دولة قطر الشقيقة، مدويًا، فلم يكن أشد المتشائمين يعتقد أن منتخبنا الوطني المصنف ضمن أفضل عشرة منتخبات في القارة الصفراء سوف يتذيل مجموعة بدت سهلة وفي المتناول منذ إجراء القرعة؛ بل إن الكثيرين أعتقدوا أن الوصول إلى الدور ثمن النهائي هو أقل ما يمكن تحقيقه في بطولة قريبة جغرافيًا منَّا، وتوفر الدعم الجماهيري مضمون عطفًا على تجارب سابقة لنا، كيف ونحن نعشق الدوحة في مثل هذه المناسبات ولنا فيها ذكرى لا تنسى.

هذا السقوط الحر أحدث ضجيجًا وصخبًا عاليًا، وحتى أن وصفًا أجده مناسبًا جدًا لما حدث يوم خروجنا؛ حيث شغل هذا الخروج الوسط الرياضي والمجتمع بأكمله، لقد خاب ظن الجميع صغيرهم وكبيرهم، نساءهم ورجالهم، حتى أولئك الذين لا يتعاطون الشأن الرياضي تمردوا على عاداتهم، كيف لا والمنتخب الذي يحمل اسم الوطن تمرغ بوحل الخروج المخزي، رغم الوعود والعهود والصرف والبذل والدعم والزحف الجماهيري برًا وجوًا، ورغم الوقفة الكبيرة من أعلى سلطة في هذا الوطن العزيز.

وحتى لا يمر هذا الخروج مرور الكرام وحتى لا يتبعثر ذنب الإقصاء بين أطراف المنظومة الرياضية، وحتى لا يوجهنا كل مستفيد إلى وجهة هو يريدها، لا بُد من أن تبدأ المؤسسة الحكومية المسؤولة عن الرياضة في تقييم أسباب الخروج، لأن اسم الوطن هو ما يتداول في هذه الحالة، ورغم أنني لم أكن أرغب في الكتابة عن هذا الموضوع تحديداً إلّا أن ما عايشناه كمواطنين أثناء هذه المشاركة يجعلنا أمام واجب إبداء الآراء، لعلها تفيد متخذ القرار في تقييم الوضع بصورة صحيحة.

ظهرت العديد من الأصوات التي تناولت المنظومة الرياضية كسبب من أسباب الإخفاق، وحقيقة أجد هذا الأمر من التضليل بمكان، ومع كامل احترامي وتقديري لجميع الدول الشقيقة والصديقة التي نعرف وضعها السياسي والاقتصادي معرفة جيدة، ولكنها رغم ذلك تأهلت ومنها من يواصل إلى مرحلة متقدمة، فهل منظومتهم التي تعاني الأمرين أفضل من منظومتنا الرياضية، دول يكاد لا يتوفر بها ملعب مناسب للتدريب تتفوق وتتأهل، بينما منتخب وجد كل الرعاية والاهتمام وأقام معسكرًا تدريبيًا خارجيًا قبل البطولة يخفق ويحتل المركز الأخير، ثم نلقي باللوم على المنظومة الرياضية.

لقد وفرت الحكومة الدعم الكامل للاتحاد العماني لكرة القدم وقامت بمسؤوليتها من خلال إنشاء بنية تحتية رياضية تتناسب والموارد المتاحة، ومع اتفاقي الكامل حول رغبتنا بالمزيد إلا أنَّ هذا لا يجعلنا متغافلين عن الموجود والمتاح لدينا، وألا نجعل النقص هو سبب ما آلت له الأمور، وعلينا أن نبحث عن الأسباب في مكان آخر، وهناك منتخبات فشلت وهي تملك جميع الممكنات وتفوقنا في التجهيزات والبنية التحتية والصرف، ولذلك هذا المبرر ضعيف جدًا أمام خروجنا المولم من هذه المنافسة القارية ومن مجموعة سهلة.

قلتها وما أزال أقولها إن الضعف الإداري أحد أهم أسباب فشل أي عمل في أي مكان، وعدم اتخاذ القرارات الصحيحة المبنية على قراءة حقيقية ودراسة صحيحة وواقعية للوضع هو أحد أسباب الفشل، لقد برعنا في تمجيد الانتصارات والإشادة بالمنظومة عند تحقيق الفوز، ثم ما نلبث أن نضع هذه المنظومة شماعة للفشل عند حدوثه، دون أن نتعب أنفسنا في البحث عن الأسباب الحقيقية وراءه، نحن نعالج النتائج بأسواء من النتيجة ذاتها، ولم نفكر يومًا في علاج الأسباب والبحث عن حلول لها، ولذلك سوف نستمر في تكرار الأخطاء، ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد تحدث الإعلام المتوازن عن أخطاء المدرب في كأس الخليج رغم أننا لعبنا المباراة النهائية، ولكن نشوة الحصول على مركز الوصافة، ورغبة الانتصار الشخصي جعلتنا نغلق أعيننا عن تلك الأخطاء، ونأخذ الأمر بشكل شخصي، حتى حلت نكبة أمم آسيا، والتي سبقتها مؤشرات واضحىة للفشل.

هل يمكننا أن نلوم المنظومة عندما نتعاقد مع مدربين لا يملكون سيرة ذاتية كبيرة كالمدربين الأسبان؟ هل نلوم المنظومة عندما لا نحسن إدارة مواردنا؟ هل نلوم المنظومة عندما لا نطور مسابقاتنا؟ هل نلوم المنظومة عندما لا تشارك الأندية في مسابقاتنا؟ هل نلوم المنظومة عندما لا نتحمل مسؤوليتنا في اختيار أعضاء الاتحادات؟ وهذا بشهادة بعض أعضاء الجمعية العمومية وليس كلامي. هل نلوم المنظومة عندما لا نهتم بمسابقات المراحل السنية ونترك العمل ناقصًا؟ هل نلوم المنظومة عندما لا يخرج لنا سوى من يتمسك بالمدرب ويتركه يعبث بأحلام أبناء الوطن الذين زحفوا خلف منتخبهم أملًا في نتائج مشرفة؟ هل نلوم المنظومة عندما تخرج التصريحات متناقضة؟ هل نلوم المنظومة عندما نشاهد كل ذلك ونبقى بلا حراك؟

لقد مر ما يقارب 18 عامًا على تجربتنا الانتخابية لمجالس إدارات الاتحادات، فهل قمنا بتقييم هذه التجربة بشكل صحيح، لقد استسلمنا لفكرة عدم التدخل الحكومي في شؤون الاتحادات وخاصة اتحاد كرة القدم، بينما عرف الآخرون أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وأن عدم وضع الأمور وفق نصابها الصحيح، بابٌ للفشل والهدر المالي الذي تبذله الحكومة لهذا القطاع، ومن واقع تجربة عشتها مع أول انتخابات جرت لاتحاد كرة القدم في 2007، أقول إن هذا النظام من الانتخابات لا يخدم رياضتنا، وأن التشريعات بحاجة إلى تعديل لتتلاءم مع واقعنا، وحتى تسير وفق ما يحقق رؤية "عُمان 2040" التي وضعت للرياضة أهداف استراتيجية أرها بعيدة التحقق في ظل هذا الوضع، خاصة وأن المصالح أصبحت متصدرة للمشهد، وأن الانتخابات تدار وفق سياق مختلف جدًا عن الغاية.

لقد سمح هذا النظام للإعلام الرياضي بالانقسام، وأصبح هناك من يتحكم في المشهد والخوف أن نصل إلى حال يتحكم فيه الإعلام بالقرار ويصل لمستوى السلطة الرابعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهنا سوف نصل لنقطة اللا عودة مثلما يحدث في أقطار أخرى، ومن أجل احتواء الوضع وحتى لا يتسع الفتق على الراتق يجب أن يكون هناك تدخلًا عاجلًا من السلطة المعنية، فلا يمكن قبول أن يخرج لنا إعلام يمجد الفشل ويبرره ويحول مسار الأسباب إلى وجهة أخرى، ولا يمكن قبول أن يخرج إعلام منتقدًا حتى مع تحقيق النتائج الجيدة من باب المعارضة التي لم نصل لمعناها الصحيح.

عندما يتفق جميع الوسط الرياضي أو غالبيته في توجيه نداء إلى سيد الرياضة والشباب صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد الموقر لإنقاذ الوضع والتدخل، فإنَّ هذا دليل واضح على إيمانهم بأن الحل بيد سموه، وأن الوضع أصبح فوق الاحتمال، وأن المشهد بلغ من الأمر مبلغًا لم يعد يهم إلّا المصالح، واللامبالاة بمشاعر الجماهير ورغباتهم وأمنياتهم، وهنا نقول كلنا وبصوت واحد "أنقذ رياضتنا سيدنا صاحب السمو فقد بلغ السيل الزبى".

تعليق عبر الفيس بوك