الإعلامي الراحل اشتهر بالتقارير المؤثرة بفصاحة لغوية عالية

عبدالله الشعيلي.. الناسك في محراب الإعلام يترجل بعد مسيرة ثرية من التميُّز والمهنية

 

إعلاميون ينعون فقيد تلفزيون سلطنة عُمان

الوهيبي: كان يُحفزني دائمًا ويمتدح زملاءه المجتهدين

الدرمكي: الشعيلي عبّر عن جوهر القضية الفلسطينية في تقرير "أفلا تبصرون"

السلامي: المخزون اللغوي للإعلامي الراحل يجعل منه "ملك الفصاحة"

الحاتمي: الشغف سمة أساسية في مسيرة الإعلامي الراحل

 

الرؤية- مدرين المكتومية

 

الكتابة عن الموت مؤلمة، موجعة، قاسية، حادة؛ إذ لا نملك القدرة الحقيقية على التعبير عن تلك المشاعر في صورة كلمات ومقالات، تخوننا الحروف، ولا نستطيع كتابة سطر واحد بصياغة رصينة، لأننا للحظة ننسى أننا نؤدي واجبنا ونتذكر ما يربطنا بالآخر من علاقة إنسانية صادقة، عندئذٍ نحاول أن نتذكر أننا هنا لا نملك سوى الكلمة التي يمكننا من خلالها أن نودع من رحلوا للعالم الآخر، لا نملك سوى أن نعيد لهم الحياة بأقلامنا التي تتوجع على رحيلهم.

هذه كلمة وداع في حق الأستاذ الإعلامي الراحل عبدالله بن سعيد الشعيلي، الرجل المهني الذي وافته المنية قبل يومين.. كان صديق الشاشة، يتحدث بطلاقة وفصاحة، تصل رسائله مباشرة إلى عقل وقلب كل مُشاهِد، كان مُحاورًا بليغًا، متزنًا في طرحه، يرى أن الإعلام رسالة وطنية، يقدمها بحب، ويستشعر قيمتها في مختلف برامجه وإطلالاته الإعلامية.

وعندما ننعى ونودع الزميل عبدالله الشعيلي يعني أننا خسرنا صوتًا وطنيًا صادقًا، ظل يكافح طيلة حياته المهنية التي كرسها للإعلام، من أجل تقديم الأفضل لعُمان.

الشعيلي كان مقدم برامج في تلفزيون سلطنة عُمان وقد شغل عدة مواقع قيادية في المجال الإعلامي، آخرها المدير العام للمديرية العامة للإذاعة والتلفزيون في محافظة ظفار، كما اشتهر الراحل بتقديم برنامج "رؤية اقتصادية" على تلفزيون سلطنة عُمان، وقدم الكثير من البرامج التليفزيونية على مدى أكثر من 20 عامًا، وتم تعيينه رئيسًا للقطاع المرئي بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون (سابقًا).

والزميل الراحل عبد الله الشعيلي كان واحدًا من أعمدة الإعلام البارزين في عُمان؛ إذ شارك في تغطية العديد من الأحداث والمناسبات، فضلًا عن دوره المُميز ونشاطه الملحوظ في الساحة الإعلامية، وجهوده لتطوير المشهد الإعلامي تطويرًا يواكب التحديثات الأخيرة.

نعيٌ ورثاء

العديد من الإعلاميين والصحفيين نعوا الزميل الفقيد، وكتبوا عبارات الرثاء عبر مختلف حسابات التواصل الاجتماعي.. "الرؤية" تحدثت إلى عدد منهم؛ حيث عبروا عن حزنهم الشديد لفقدان الشعيلي، الذي ظل حتى آخر أيامه يعمل دون كلل أو ملل.

ويقول الإعلامي فارس بن جمعة الوهيبي إن الإعلامي عبدالله بن سعيد الشعيلي صوت الوطن الذي قرأ تقريره الشهير "أجهش العُمانيون بالبكاء وأبيضت أعينهم من الحزن كاظمين، وأغرورقت أجفنهم من الأسى الطارق، والأرض واجفة تكاد تمور"، وقال وقتذاك: "أجهش العُمانيون بالبكاء وأبيضت أعينهم من الحزن كاظمين، وأغرورقت أجفنهم من الأسى الطارق، والأرض واجفة تكاد تمور".

فارس الوهيبي.jpg
 

وأضاف أن الشعيلي عمل في صناعة الأخبار وبزغ نجمه مبكرًا، وحمل ناقل الصوت مراسلا تلفزيونيا منذ أن كان على مقاعد الدراسة بجامعة السلطان قابوس، وعيناه أن يحجز مقعده في مدينة الإعلام المنتشية بالأحداث الوطنية في تسعينيات القرن المنصرم، فتحقق الحلم بالالتحاق بدائرة الأخبار بتلفزيون سلطنة عُمان محررًا إخباريًا. وتابع الوهيبي قائلًا: "ما هي إلا فترة وجيزة أصبح صاحب القلم الوطني الرصين رئيسًا لقسم الأخبار المحلية، فذاع صيته أمام قامات الإعلام في تلك الفترة، يرون في نظراته إعلامي المستقبل، كيف لا وهو من رسمت حروفه أهمّ الأحداث ناقلاً الصوت والصورة من مسندم شمالا إلى آخر نقطة في أرض اللبان". ومضى الوهيبي في نعيه للراحل يقول: "صوت الوطن الراحل كلمح البصر، تدرج وظيفياً لنائب مدير الأخبار، فمدير الأخبار، ثم مديرا لاختيار البرامج، فمكلفاً بمدير عام التلفزيون، ثم عين رئيسا للقطاع المرئي في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فمستشارا إعلاميا لوزير الإعلام، وما بين ذلك من مسؤوليات وظيفية وإدارية عظيمة، لم يكن عمله الميداني خفيا في الوطن، حيث ارتباط الصوت بمشهد الأعياد الوطنية، فعندما يصدح صوت الشعيلي تهتز معه المشاعر شيبا وشبانا، وقلمه الذي لا يشبه أحدا كان حاضرا في كل مناسبة، يحيك ذهب الكلمات لتبقى في ذاكرة كل عُماني، مرصعة في أرشيف وطن أحبه حتى النخاع، ومشاهد كثيرة لا تنسى وهو يقف في حضرة السلطان قابوس ممثلاً لأبناء عُمان في محافلهم المجيدة الغراء".

الإعلام الاقتصادي

وأوضح الوهيبي أن الإعلامي عبدالله الشعيلي كان أفضل من يقرأ ويحلل الاقتصاد لا سيما من خلال نافذته الأسبوعية "رؤية اقتصادية" وهو البرنامج الاقتصادي الأقوى في التلفزيون العماني، حيث كان يحاور ضيوفه ويناقشهم في مختلف الموضوعات الاقتصادية التخصصية، مواكبًا المستجدات الوطنية ومشاريعها وأهدافها التنموية الاقتصادية، وخططها الاستراتيجية الخمسية، ورؤيتها المستقبلية. ويمضي الوهيبي قائلًا: "عهدي لم يكن كثيرا وطويلاً بالقامة الإعلامية القديرة، ولكن الذاكرة تعود عند لقائنا مصادفة في العبارة المتجهة إلى مسندم؛ حيث طلب مني الجلوس بجانبه، حينها كنت في بداية عملي في أخبار التلفزيون، وقد أبدى الأستاذ عبدالله إعجابه بالعمل المتحقق في صناعة التقارير، وفي كل مرة يكون اللقاء بيننا أشعر أننا نعرف بعضنا منذ زمن طويل".

حزن عميق

من جهته، يقول الإعلامي أحمد الدرمكي مراسل تلفزيون سلطنة عُمان في ولاية قريات: إن نبأ وفاة الإعلامي عبدالله الشعيلي نزل علينا كالصاعقة، وكان خبرًا مُفجِعًا انفطرت له قلوب الأهل والأصدقاء، وقد أصبح عبدالله الشعيلي هو الخبر، بعد سنوات طويلة من الإبداع في قراءة نشرات الأخبار وتحريرها. ويتذكر الدرمكي أحد التقارير المؤثرة للراحل عبدالله الشعيلي حول الحرب في غزة، إذ لخّص جوهر القضية الفلسطينية في تقريره التلفزيوني "أفلا تبصرون؟!" عندما وصف شهداء غزة بأنهم "يمنحون للموت حياة والدم الفلسطيني المتدفق في جسد القضية لتبقى حية للضمير العربي والإنساني".

احمد الدرمكي.jpg
 

واعتبر الدرمكي أن الشعيلي خلّد في هذا التقرير شهادة حق ونصرة للقضية الفلسطينية بخلود الموقف العُماني الثابت تجاه عدالة القضية، خاصة عندما قال: "وإن أُخضعت للنسيان؛ فالأوطان في دم كل حر يد سلفت، ودين مستحق". ومضى الدرمكي قائلًا: "لطالما تنافست تقارير الشعيلي جزالة الكلمات والصورة بألف كلمة؛ فيسبقها بعمق مفرداته المنسابة من حنجرة رواها فلج المعمور عراقة وفخامة". واختتم الدرمكي ناعيًا الفقيد بالقول: "رحل الملهم عبدالله الشعيلي صوت الوطن تاركًا فينا ألمًا وأملًا للسير قدمًا في أداء الرسالة بإخلاص، مخلفًا إرثًا من التقارير الرصينة المتفردة في أدبيات الرسالة الإعلامية العُمانية المتسمة بالحنكة والتوازن تستحق أن تكون مدرسة تدرس للأجيال القادمة".

عُمق البلاغة

خالد السلامي.jpg
 

أما الإعلامي خالد السلامي فقد أكد أن الإعلامي الراحل عبدالله الشعيلي، جمع قوة الفصاحة وعمق البلاغة، فهو بين المذيعين ملكٌ في قوة اللغة وفصاحتها، بارعٌ في الاقتباس والتضمين؛ إذ إن مخزونه اللغوي والأدبي جعل منه مذيعًا متمكنًا من الصياغة وحسن الكتابة، يكاد متفردًا في اختيار الألفاظ وتركيب الجمل، بشكل لا يشبهه في ذلك أحد، يغلف ذلك صوت جهوري يحسن تطويعه حسب طبيعة النص ومضامينه".

سلطان الحاتمي.jpg
 

ويقول الإعلامي سلطان الحاتمي: "امتهن الشعيلي الإعلام بشغف، وصقل هذا الشغف بقريحته المُبدعة، بما يملكه من فصاحة وعمق في اللغة، قلمّا نجده في وسائل الإعلام في هذا الزمن الغارق في السطحية". وعبر الحاتمي عن عميق ألمه لفقدان الإعلامي عبدالله الشعيلي، داعيًا الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وأن يُلهم أهله وذويه وجمهوره في كل بيت عُماني الصبر والسلوان.

تعليق عبر الفيس بوك