علي بن مسعود المعشني
لم يشعر الكيان الصهيوني ورعاته بمشاعر الزوال كما شعروا في "طوفان الأقصى" منذ بدايته وفي أدق تفاصيله اليومية، كما لم يشعر الكيان الصهيوني برغبات متضادة ومشاعر متضاربة كما شعر في تفاصيل هذا الطوفان.
الكيان الصهيوني اليوم أرهقته المنازلة مع فصائل المقاومة على أرض غزة والتي فاقت في أيامها جميع حروب الكيان مع العرب، كما أرهقه أكثر ليس تحقيق أهدافه المُعلنة والضمنية فحسب؛ بل أرهقته محاولاته البحث عن صناعة نصر يسوقه للداخل والخارج لتبرير وقف عدوانه. العدو اليوم يتمنى وقف الحرب لوقف نزيفه اليومي ميدانيًا وعلى كافة الصُعد، كما يتمنى إطالتها كذلك لتحقيق أي نصر ومن أي نوع وحجم. نتنياهو يسعى إلى تسويق ثقافة جديدة في الصراع العربي الصهيوني، فحواها إمكانية التطبيع مع أقطار عربية دون المرور على قضية فلسطين، والتي كانت فيما مضى دومًا ميزان التطبيع. بينما يرى الراعي الأمريكي ويحرص على قناعته- اليوم أكثر من ذي قبل- بضرورة حل القضية الفلسطينية، وعائق مشروعها هو تفاصيل هذا الحل، وبما يضمن أمن الكيان. لهذا عرض الأمريكي إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وهذا يعني رفع سقف ماهية الدولة مستقبلًا لتصبح منزوعة الحجارة والسكاكين؛ بل والأظافر كذلك.
بحث نتنياهو عن نجومية شخصية ومكانة وزعامة تاريخية للكيان الصهيوني بحجم بن جوريون وجولدا مائير، وهذا ما سيكلف الكيان حربًا أهلية لا تُبقي ولا تذر، ستبدأ على شكل صراع سياسي مؤسسي بين الساسة والأحزاب وقادة الجيش، وستنتهي بصراع مسلح ينتهي بفرض الجيش سيطرته وبما يعادل خسائره و"تضحياته"، وبما يليق بـ"صورته التاريخية" في خارطة الكيان، وتحقيقًا لشعار الكيان التاريخي: "لكل دولة جيش ما عدا إسرائيل، لجيشها دولة".
الحرص الكبير من الكيان الصهيوني بتحقيق نصر سياسي عبر مسلسل الدمار والقتل الممنهج بغزة، يقابله حرص فصائل المقاومة على تحقيق نصر استراتيجي على الكيان، يترتب عليه خلط أوراق كثيرة في فلسطين والمنطقة، وعودة التلاحم بين غصن الزيتون والبندقية مجددًا.
طوفان الأقصى اليوم برهن وبقوة على مدى الحاجة الماسة لعودة خيار البندقية إلى جوار غصن الزيتون، لا لتحقيق "سلام" ومباركة عدو على جرائمه؛ بل لتحرير أرض وعودة حق تاريخي مغتصب. الكيان الصهيوني ورعاته اليوم ولأول مرة يجدون أنفسهم في موقف- كحالة طوفان الأقصى- بلا قدرة على تحقيق انتصار، ولا قدرة على وقف الحرب، ولا قدرة على مواصلة الحرب كذلك!
قرار الكيان بتوسعة رقعة الحرب وجغرافيتها رغم أنف الراعي الأمريكي وبالتعارض مع مصالحه، لا يمكن تفسيره بغير الهروب الى الأمام والرغبة في الانتحار وفقد قوة العقل والرُشد معًا.
قبل اللقاء.. التطبيع مع الكيان الصهيوني اليوم لم يعد مُمكنًا تسويقه للعقل العربي بعد الطوفان كـ"مشروع سلام واستقرار" للمنطقة، وكما كان يُقال ويُسوَّق سابقًا؛ بل هو بمثابة مشروع مكافأة وهدية مجانية واستراتيجية للعدو على جميع جرائمه وبغيه وعدوانه في الماضي والحاضر والمستقبل.
وبالشكر تدوم النعم.