نهضة هيثمية مُتجددة

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يقول الله تعالى في سورة هود "وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلْأَمْرُ كُلُّهُۥ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" صدق الله العظيم..

حريٌ بنا أن نعلم أنَّه منذ الأزل حُكم علينا أن لا نعلم ما سيجري فينا وبنا بعد لحظات فضلًا عن الساعات والأيام، ومع هذا جاء الأمر فأعبده وتوكل عليه، وهذا لي ولك وله. ومنذ الأبد كان هذا الأمر وذاك الحكم مطلقاً إلى أن تقوم الساعة، والفارق بيننا هو أن هناك فريقاً علم بذلك فعمل، وآخر علم ولكنه تغابى فجهل.

وحينما ننظر إلى نور الشمس وهو يغطي الأرجاء ويَهِب الدفء، فإنه في المقابل حينما يضيء القمر لا يشيح بوجهه عنَّا، ومعه لا يجرؤ الظلام أن يأخذ مكانًا له بينه وفي حدود منطقته وإضاءته ووهجه واتساع رقعته ونوره، ولا يمكن أن يستويان أبدا ولا يلتقيان. فإذا جاء الأول ذهب الثاني، وإذا تبدى الأخير انسلخ الأول وهلُمَّ جرًا. وإذا ثمّة سراب في صحراء شاسعة فسيظنه الظمآن ماءً، فسيزحف صوبه لا محالة وسيهلك، وما هو إلا مرور ضوء الشمس في الهواء البارد في حالات الطقس الحارة، والذي يؤدي إلى انكساره على سطح الأرض ليتكون السراب، فبحسب الموقف والزمان والمكان تتحدد أطر وتؤطر مواقف.

وفي عُمان منذ البداية والعصور التاريخية لم تكن الاهتمامات موجهة إلى موضع بعينه دون آخر، ولم تكن تربتها يومًا تنبت أفكارًا سامة كالفرقة والشتات، ولم يتعاقب عليها من يرى نفسه فوق شعبه وعلى أمته؛ بل كانوا جميعهم وجه الوطن وكرامته وحفظه وجماله، فازدانت بلادنا انطلاقاً من الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970 للميلاد، فكان السلطان قابوس قبسًا أنار وجودنا، ثم جلالة السلطان هيثم المفدى، الذي سار نحو نهضة متجددة، وكنا جندًا أوفياء بعهودنا.

إن المتتبع للحقبة ما بين بدايات النهضة المباركة إلى يومنا هذا، سيجد سياج الأمن بحمد الله باقيًا، ونعمة الاستقرار مع التواضع، وحب العلم والعمل شيء راق، فيا سقفي وأرضي وسمائي يا وطني، ويا مراتع الصبا وريعان الشباب، وزهو الطليعة وروح الفتوة وضياء الحداثة وملتقى الأقارب، ووحدة الأهل وجمع الصديق والحبيب، ويا أفضل بلاد الأرض وأجمل بقاع الدنيا عندي، فأنت بلاد ألفناها على كل حالة.

في حقك أقول كما قال ابن الرومي "ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ وألا أرى غيري له الدهرَ مالكاً، عهدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً، كنعمةِ قومٍ أصبحُوا في ظلالِكا".

في فجر وصبيحة العاشر من يناير من عام 2020 للميلاد نعى ديوان البلاط السلطاني المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بعدما وعد فأنجز، وعمل فوفّى، ومن أقواله المشهورة "أيها الشعب سوف أعمل بأسرع ما يُمكن لجعلكم تعيشون سعداء وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب". فودعنا في ذاك اليوم قائدا حكيما فذا مخلصا أفنى عمره من أجل عُمان وأهلها، وتوسد يمينه غفر الله له آمنا مطمئنا راضون عنه، ليخلف بعده خلف كان لخير سلف.

واليوم بعد مضي أربع سنوات، كان نفس ذاك الوعد من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفطه الله ورعاه- حاضرًا؛ فعمِل للنأي بعُمان عن كثير من القلاقل والحروب وعدم التدخل في شؤون الغير، وعمل على نصرة القضية الفلسطينية التي يتعرض أهلها اليوم للإبادة الجماعية وللتهجير والقتل.

وفي العاشر من يناير تحين ذكرى رحيل قائد عظيم وتولي بعده مقاليد الحكم في عُمان مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم المعظم، ولا شك أن بناء الأوطان وقيامها وازدهارها وعلوها ونهضتها وتبوؤها مكانة بين البلدان، ليس بالأمر الهين، ولا هو بالشيء السهل واليسير الذي من الممكن أن يقوم بين عشية وضحاها، وإنما هناك جهود تبذل وبذلت، ودماء أريقت وتراق، وأموال تنفق وأنفقت، وعلم وتخطيط جامع، مع سلامة قصد وصدق نية تراها كالنجم في سمائه لامعاً وساطعاً.

إن بناء وطن بحجم عُمان ما كان ليتحقق إلا بعلو همة وبتخطيط محكم فعَّال، واتخاذ قرارات ووسائل وأسباب سخرت لخدمة الإنسان العُماني والمجتمع، فاكتسبنا والحمدلله احترام العالم أجمع، ونلنا تقديرا من على الكون كله فاسمع، أدينا الحقوق وقمنا بالواجبات، وصنا العهد ومضينا حماة وحراسا أمناء على ما تحقق، واجتمعنا تحت لواء حكومتنا الرشيدة متخلصين من الأزمات والمشكلات..

حفظ الله عُمان وقائدها وشعبها..

تعليق عبر الفيس بوك