صناعة الكذب

 

 

محمد بن رامس الرواس

"من يُريد قول الحقيقة في إسرائيل يُعد جزءًا من صانعي الاكتئاب المثبطين"، هذا ما قاله كاتب إسرائيلي بصحيفة هآرتس العبرية؛ فالكذب عندهم مثل المخدرات، وهذا ما يقوله العقلاء من الصحفيين لديهم ويشهدون به على أنفسهم.

يُمكننا قراءة ثقافة الحرب الإسرائيلية من خلال العديد من المُعطيات الحالية لحرب غزة والتي لا تزال نيرانها مستعرة حتى اليوم، والمفاجآت فيها لا تزال تحصل كل ساعة وأخري وأولها بينما صناعة الكذب الإسرائيلية لا تتوقف برغم فشلهم الذريع وإخفاقات جيشهم الذي أصبح تائهًا في غزة. بعد ما يزيد عن 88 يومًا كانت مصحوبة بعشرات الآلاف من القنابل أُلقيت على قطاع غزة دُمر خلالها الجزء الأكبر من البنية التحتية، يتضح لنا مدى غياب البعد الأخلاقي لهؤلاء الناس الذين لا يزالون يحملون الثقافة الصهيونية للحروب مصحوبة بالكذب منذ القدم ومنذ تكوينهم لعصابات الهاجاناه عام 1921؛ وهي ثقافة تحمل في طياتها التضليل والخداع والجبن ونكث العهود والإخلال بالمواثيق والأعراف الدولية وسياسة الاغتيالات.

لا يزال الكيان الإسرائيلي يستدعي ثقافة الكذب والتضليل على مر الزمن، وخلال الحروب الخمس الفائتة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية مع الجيش الإسرائيلي، كانت ولا تزال صناعة الكذب والمراوغة وطمس الحقائق وتزييف الصور وتلفيق التهم، سمة بارزة للحكومة الإسرائيلية والصحافة التابعة لها بهدف إنكار الواقع ومن خلال مساندة مستمرة لأذرعها الإعلامية بالدول الغربية.

من هذه إدعاؤهم أن الرئيس الأمريكي بايدن شاهد صورًا لأطفال إسرائيليين قطعت المقاومة رؤوسهم، لكن بعد ذلك نفى البيت الأبيض ذلك، كذلك قولهم إن المقاومة تقوم بتعذيب الأسرى لديها، وهو ما نفاه الأسرى بأنفسهم حين خرجوا أثناء الهدنة الأولى. وادعت الحكومة الإسرائيلية أن الصاروخ الذي ألقي على مستشفى المعمداني كان من طرف المقاومة، ولم يثبت ذلك إلى اليوم، كما إن آثار التدمير تُكذِّب هذه الفرضية، هذا بجانب ادعائهم أن حماس تسرق الدواء والغذاء الذي يدخل غزة عن طريق معبر رفح، وهو ما نفاه الصليب الأحمر. وغيرها الكثير من الأكاذيب والادعاءات الباطلة التي لا تقوم على أساس إنما تهدف لسردية يتم تسويقها للشارع الإسرائيلي وللغرب.

في معركة "سيف القدس" وتسميها إسرائيل "حارس الأسوار" عام 2021، فور انتهائها، أطلق الإعلام الإسرائيلي الأكاذيب من خلال خطب الجنرالات وقنوات التلفاز والجرائد اليومية، بأنهم يملكون زمام الأمور عبر جيش ليس له مثيل في العالم، وأن حماس تلقت ضربات قاسية وقاتلة لن تقوم لها بعدها قائمة، وتم ترويج هذه الأخبار على أنها حقائق وتناقلها الكّتاب والصحفيون والسياسيون بكل سرور وابتهاج مصطنع -بعضهم يعلم أن الحقيقة غير ذلك- ولم يفيقوا من سكرتهم إلا في صباح السابع من أكتوبر حين انفجرت الحقيقة الكبرى في وجوههم كتلة واحدة أفقدتهم صوابهم.

اليوم بعد ما يزيد عن 88 يومًا من طوفان الأقصى أصيبت أعداد كبيرة من الإسرائيليين؛ سواء جنودهم أو المواطنون منهم بآلام نفسية شديدة أفقدتهم معنوياتهم المصطنعة، ولم يعد هناك إلا الحقائق العنيدة تتحدث عن نفسها ومنها اخفاء ارقام القتلى والجرحى وذوي العاهات ممن اكتووا بنار الحرب من الجنود الإسرائيليين، هذا بجانب إخفاقات ميدانية متوالية ومتواصلة.

وليس أدل على ما نقول من أن الأخبار الكاذبة تلقى رواجًا بالمجتمع الإسرائيلي مثل قولهم إنَّ محمد الضيف بعد تعرضه لخمس محاولات اغتيال مصاب وفي حالة شلل نصفي، وأنه لا يرى إلا بعين واحدة وبه نوع من الصمم وأنه ملازم لكرسيه المتحرك، لكنهم اليوم اكتشفوا أنه يتحرك ويرى جيدًا ويسمع لكنه يعرج قليلًا، وأنه لا يزال أحد العقول التي خططت للسابع من أكتوبر، وأنه لديه تأثير ونفوذ سياسي بكتائب القسام.

هذه الثقافة من صناعة الكذب التي يمتهنها الكيان الإسرائيلي في حرب غزة تحديدًا هدفها إيجاد مبررات يتيح لها رفع المعنويات المنهارة بالشارع الإسرائيلي، هذا بجانب التصريح بمزيد من القتل من الولايات المتحدة والدول الغربية المساندة لها، ولسان حال هذه الدول يقول "إن لم امنعك من القتل فهذا تصريح مني باستمراره".

ختامًا.. لا يُخفي مانيس فريدمان الحاخام الإسرائيلي قوله إن هذه الثقافة مستمدة من قيم التوراة لديهم، وهي الطريقة التي ينتهجونها في أخلاقيات وقوانين الحرب، وعلى رأسها التدمير والإبادة والقضاء على النسل والزرع.