"حزام ناري" حول الـ"نتن ياهو" (3- 3)

 

د. مجدي العفيفي

 

  • كيف لكيان صغير كإسرائيل أن يواجه ويتحمل العيش وسط محيط هائل من الكراهية.
  • الصهاينة حريصون دائمًا على إعادة شحن الوجدان العربي والإسلامي بشحنات هائلة من الغضب والرفض والكراهية.
  • بعد طوفان الأقصى، الضمير العالمي يفيق من تخديره بأكاذيب الصهاينة في وسائل الإعلام الموالية للصهيونية.
  • لن يستطيع أحد ضبط طوفان الغضب والكراهية المتولد عن الأفعال الوحشية للكيان الصهيوني في فلسطين.

هذه الرشقة الصاروخية من العبارات المُلتهبة غضبًا موضوعيًا، وتقززًا من النفايات البشرية الصهيونية.. تشتعل في فضاء البعد الثالث لأطروحة عالم النفس الدكتور محمد المهدي، في هذه السلسلة من المقالات التي تلتف أحزمة نارية حول المجرم الأكبر الـ"نتن ياهو".

***

تتخذ هذه الرؤىة مادتها من "إعادة شحن الكراهية" وتنبى على استدعاء أكثر من موقف عايشه الدكتور المهدي؛ إذ ذهب إلى الإسماعيلية (شمال شرق مصر) بصحبة زميل دراسة من أهلها المُهجّرين بعد هزيمة 1967 «وكنَّا وقتها في مرحلة حرب الاستنزاف ورأيت الدمار المروع للمدينة التي بدت مثل مدينة أشباح، وكنت أعرفها قبل ذلك من أجمل مدن مصر وانتابتني وقتها مشاعر شديدة من الغضب والرغبة في الثأر ممن أحدث كل هذا الدمار في عروس قناة السويس».

وبعد حرب أكتوبر 1973، زار مدن القناة الثلاث «فرأيت دمارًا وخرابًا أكثر، وعايشت بالتوازي القصف الإسرائيلي لمدرسة بحر البقر ومصنع أبوزعبل وقتل الأطفال والعمال الأبرياء، كل هذا كان يزيد شحنة الغضب والكراهية لهذا الكيان الدموي والوحشي».

ومرت السنون.. وتم عقد معاهدة كامب ديفيد وتنادى البعض بالسلام، كحل فرضته الظروف الدولية، «وحضرت مؤتمرا كبيرا في دار الإفتاء المصرية في السبعينيات من القرن الماضي وكان عنوانه حل الصراع، وحضره عدد كبير من المصريين والعرب والكيان الصهيوني والغربيين، وكان يناقش مدى إمكانية حل الصراع على المستويات المختلفة : السياسية والعسكرية والاجتماعية والنفسية، وتوقفت وقتها عند النفسية وأبديت في مداخلات مع بعض الصهاينة شكوكي حول إمكانية حل الصراع على المستويين الاجتماعي والنفسي نظرا لسلوك الكيان العدواني المفرط في الوحشية والذي ترك آثارا في نفوس العرب (الحقيقيين) جراحا ربما تحتاج لأجيال كي تنسى».

***

طبعًا.. لم يُخيب الصهاينة ظن الدكتور المهدي، فقد كانوا حريصين على إعادة شحن الوجدان العربي والإسلامي بشحنات هائلة من الغضب والرفض والكراهية في اجتياحهم للبنان وارتكاب مذبحة قانا، واجتياحهم لغزة والضفة مرات عديدة، باستخدام أقصى درجات العنف والتدمير والقتل والحرق للنساء والأطفال وتهجير السكان والتطهير العرقي وإبداء العنصرية البغيضة والسافرة تجاه كل ماهو عربي أو إسلامي.

ولا بُد أن أسأل الدكتور المهدي: والآن .. مع الحرب الصهيو-أمريكية التترية على نساء وأطفال فلسطين، وتدمير الأرض الفلسطينية بقنبلتين ذريتين على مساحة صغيرة يقطنها مليونان وثلث المليون من البشر المحاصرين منذ سنوات؟

يقول عالم النفس المتابع لمجريات الأمور من أقذر كيان بشري على كوكب الأرض: إن الضمير العالمي الذي كان قد تم تخديره بأكاذيب إسرائيل في وسائل الإعلام الموالية للصهيونية، انتفض ذلك في صورة مظاهرات هائلة في كل مدن العالم يعلن عن رفضه وكراهيته لعنصرية وعدوانية هذا الكيان الذي يعيد للعالم صورة النازية التي خربت الحياة والنفوس في مساحات كبيرة من العالم، ومما زاد من صناعة الكراهية لهذا الكيان المحتل المغتصب النازي، أن صور الدمار وصور الأطفال الممزقين والمحترقين والقابعين تحت أنقاض القصف تتناقلها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وتنشرها للعالم كله بصورة مزقت القلوب، وهذا مالم يكن متوفرا في حروب ومذابح أخرى قبل ذلك.

***

إذن ما دلالة تلك الآعمال التتترية التي يقودها أبليس الصهاينة الـ"نتن ياهو"؟

يحدثني أستاذ عالم النفس بجامعة الأزهر: أصبحت إسرائيل تعيد شحن الكراهية (التي ربما تكون قد نسيت أو بهتت لدى أجيال جديدة لم تشهد الحروب الكبرى بين العرب والكيان الصهيوني) لدى أكثر من ثلاثمائة مليون عربي، ومليار وثلث المليار المسلمين (باستثناء قلة هنا أو هناك ربما يكون لها مصالح شخصية مع إسرائيل) فكيف لكيان صغير كإسرائيل أن يواجه ويتحمل العيش وسط محيط هائل من الكراهية يمتد في كل ركن من العالم، ويعبر عن سخطه وغضبه تجاه هذا الكيان العنصري المحتل الغاصب الوحشي بأشكل مباشرة أو غير مباشرة، ومن المعلوم بالضرورة أن التطرف الديني الإسرئيلي الذي يمثل وقود هذه العنصرية والوحشية سيقابله نشأة تطرف ديني إسلامي ربما أشد عنفًا ليواجه تلك الوحشية.

***

وماذ عن أولئك الذين سعوا وكانوا يسعون قبل طوفان الأقصى إلى ارتكاب جريمة التطبيع مع العدو الصهيوني؟

يقول عالم النفس د. المهدي: على الرغم من سعي الكيان لصهيوني وأمريكا لمد سرطان التطبيع بالترهيب والترغيب في أكثر من دولة عربية قبل طوفان الأقصى، وكان البعض يتسابق ويتباهى باجتهاده في التطبيع، إلا أن الوضع اختلف الآن وأصبح أي مُطبِّع يواجه سخطًا أو غضبًا شعبيًا من أهل بلده، حتى ولو تم منع التعبير عن ذلك بالقهر السياسي والعسكري، وهذا يجعل من الصعب على حلفاء وعملاء الصهاينة في المنطقة أن يجاهروا بتأييدهم أو تطبيعهم، ويضطروا تحت ضغط الكراهية الشعبية الممتدة أن يواكبوا- على الأقل في الظاهر- هذا الغضب الشعبي المشتعل، والذي يحرص الكيان الوقح بغباء شديد على زيادة اشتعاله وتوريثه للأجيال الجديدة، وكأنها تحفر لنفسها ولأجيالها القادمة قبرًا هائلًا، أو تهيئ العالم لهولوكست جديد مدفوعًا بكراهية صنعتها الاحتلال بغباء قادتها وحاخاماتها المتطرفون العنصريون المتعطشون لرائحة الدم ورائحة شوي الأجساد في ساحات غزة والضفة والأقصى.

ترى .. إلى أي مدى تسهم وسائل الإعلام تحقيقًا وتوثيقًا وتدقيقًا في لَفِ الأحزمة النارية حول الكيان الصهيوني، وعلي رقبة الدموي الـ« نتن ياهو»؟

يقول الدكتورمحمد المهدي: مهما حاول العقلاء والمعتدلون من هنا أو هناك ضبط طوفان الغضب والكراهية المتولد عن الأفعال الوحشية للكيان الصهيوني في فلسطين، حتى على الأقل لمنع حرائق هائلة في المنطقة والعالم، فربما لايستطيع ذلك لأن الصور الوحشية للقتل والتدمير خاصة للأطفال والنساء والبيوت الآمنة سوف يظل يشحن الملايين بشحنات هائلة ومتجددة من الغضب والكراهية خاصة أن هذه الصور والمشاهد ليست فقط محفوظة في الذاكرة الشخصية والجمعية، ولكنها محفوظة على الوسائل الإلكترونية الحديثة ويستدعيها أي شخص في أي وقت بضغطة من إصبعه على أي جهاز يحمله حتى بعد مئات السنين.

 ***

ويشتعل السؤال مع الدكتور المهدي: هل بعد كل هذا يمكن أن ينتصر الكيان الصهيوني أو أمريكا أو الغرب على رجال ونساء وأطفال غزة؟