بيوت مملكة السماء

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

أبو عبيدة قال والحق ما قال أبو عبيدة

 

كانت النساء في أوروبا يهددن العصاة من الصبيان ليدخلوا بيوتهم بأن صلاح الدين سيأتي ليؤدبهم، فينصاعون رعبًا وتوقف بيوت عبادتهم قرع أجراسها عند مرور المُسلمين فيُصمتونها رهبًا؛ حيث إن الترعيب عقيدتهم والترهيب منطلقهم، ويلصقونهما بالغير ويعتقدون أن كل أهل الأرض يحملون هذه الثقافة السائدة لديهم، والمسلم لا يرعب طفلًا ولا يرهب عابدًا ولا يهدم بيتًا.

"وداوها بالتي كانت هي الداء"، باعتبار أن تلك المفاهيم لدى الغرب لم تتبدل، والشعوب لا تتغير، ومن هذا المنطلق، فإن ظهور الفارس المُلثم أمر مُتعمدٍ ومقصود عندما يرسل حِمم كلماته لتصدع جباه الصهاينة من كل الشرائع قبل صواريخه التي تصهر قلوبهم وتسوقهم إلى مخابئهم "كأنَّهُم حمرࣱ مُستَنفِرةࣱ فَرَّت من قَسوَرة"، وتتقاذفهم كوابيس الرعب والهلع التي قُذفت في قلوبهم كما تقاذفهم قاداتهم زيفًا وزورًا، ولم تعد تجدي معهم المسكنات والمهدءات وفي الجانب الآخر القريب وربما لعدة أمتار من تحتهم يستعين رجال المقاومة بقوة الإيمان والصبر والصلاة ويستكينون بالقرآن وذكر الرحمٰن.

يستنكف المسلم من وصفه "بالجبان" ويرسل الصهيوني مقاطع جبنه للعالم ولا يستحي من وصمِهِ بالعار؛ فمذهب الاستعطاف مسلك اتخذوه منذ أن ألقوا أخاهم الطفل في غيابة الجب "وجاءُوا أباهُم عِشاءً يَبكُون"، ويعتمدون على إيجاد من يدافع عنهم على الدوام من خلال صناعة الوهم، إذا ما شعروا بالخوف استصرخوا وانبطحوا وسلموا الرقاب أفرادًا وقطعانًا ومن استعضدهم أو ساندهم عند اشتداد الكرب سيقول "ما أنا بمصرخكم"، بينما تقول المسلمة الحرة من معتلاها المنبور: ذلك الردم كان بيتي وأولئك العابقون بالمسك من أبنائي الشهداء هم الفداء، ثم تضحك بوقارٍ ضحكة المحتسب وفي سكينةٍ وهدوء تغادر لتتفقد ركام بيت الجيران.

من أراد الحقيقة فلينظر لما يحدث، ولكن بطريقة عكسية؛ حيث البيت الأسود المتألق ظاهريًا بالبياض يعمد لبيت الضعيف والبعيد عنه جدًا ليسعد به وهو مكسور ويخرب آخرَ بالكاد هو مجبور فيضحك ملأ شدقيه عندما يراه مهجورًا، أو ليست هذه من صفات الشيطان المطرود من الصفيح الأعلى وهو مدحور؟!

لكن هيهات.. فرب البيت المعمور من فوقهم يدبر الأمور؛ إذ إن قانون السماء ثابتٌ لا يتغير "ولَن تجدَ لسُنَّةِ الله تَبديلًا"، ولم يشهد التاريخ طول نصرٍ لكل متكبر مختال وإن طال به الأمد في فجوره طولًا، وإنما هي أحوال يمد الله فيها للظالمين ليزدادوا علوًا في الأرض حتى إذا أيقنوا أن جورهم حق مكتسب، جاء الوعد "لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ" ولن يخلف الله وعده " وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".

ما أنبل أهل غزة وفلسطين العزة، لا قبب حديدية ولا ملاجئ خرسانية والقصف من فوقهم ومن تحتهم، والخناق عليهم محكم، والحصار من قوى الطغيان والعار؛ إذ باتت بيوتهم قبلة وهم في العراء يفترشون حمد الرحمن، ويتوسدون شكره، ويتلحفون يسره وذكره، وعزاؤهم "قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار".