حاتم الطائي
◄ أمريكا تتعمد الكذب لتنفيذ مُخططاتها وإطالة أمد الأزمات
◄ اتهام المقاومة بقصف المستشفى يهدف لتوفير غطاء مُزيّف على جرائم الاحتلال
◄ الضمير الشعبي العالمي يستفيق تدريجيًا من التضليل الغربي
حربُ الإبادة التي تُنفِّذها قوات الاحتلال الإسرائيلي حاليًا في قطاع غزة بكل بربرية وهجمية وتوحُّش، عرَّتْ الحقيقة المُرَّة التي يتعمّد البعض إخفاءها؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لا تتوقف عن إطلاق الأكاذيب وتعميقها، ونسج القصص الخيالية القائمة على الأوهام والتضليل، إمعانًا في تنفيذ مُخططاتها الإجرامية حول العالم، مُستعينةً في ذلك بآلة إعلامية ضخمة، ودعاية سوداء تُمارسها ليل نهار أذرعها العنيفة في وكالات الاستخبارات جنبًا إلى جنب الإعلام الإسرائيلي الذي يطفح بالأكاذيب والأباطيل على مرأى ومسمع من العالم، الذي سقطت عنه آخر ورقة توت كانت تستر عوراته السياسية والدبلوماسية ونهج الكيل بمكيالين.
سقطت أمريكا للمرة الألف في بئر الأكاذيب، وانزلقت أقدامها في وحل الافتراءات التي لا أساس لها، عندما زعم جو بايدن رئيسها "الديمقراطي"- ويا للعجب- أنَّ المقاومة الفلسطينية ارتكبت جرائم ذبح للأطفال الإسرائيليين خلال عملية "طوفان الأقصى"، وأنَّ هذه المقاومة نفذت فظائع أخرى، دون أن يُقدّم دليلًا واحدًا، غير أنَّه في حقيقة الأمر تعمّد الكذب وطَرَحَ رواية مُزيّفة اختلقها في عقله، واستقاها من أكاذيب "الموساد" الإسرائيلي، في مسعى يائسٍ منه لإقناع قوى الغرب بالموافقة لإسرائيل على تنفيذ حرب إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة المدنيين العُزل.
غير أنَّ الكذبة الكبرى التي أطلقها بايدن تمثلت في توجيه أصابع الاتهام إلى المقاومة الفلسطينية في قصف مستشفى المعمداني، وهي جريمة الحرب الإسرائيلية التي نفذتها قوات الاحتلال بدمٍ بارد، وتسببت في استشهاد 500 فلسطيني على الأقل، كان من بينهم مرضى يتلقون العلاج، ولائذون من ويلات القصف الغاشم على مدن شمال القطاع.
ولذلك نسأل.. هل كان بايدن يُدرك أبعاد هذه الكذبة السخيفة، التي لا تنطلي على طفل صغير، فما بالنا بعالمٍ يقف مشرئبًا يرقبُ ما يحدث في القطاع؟!
أمثال بايدن لا يُلقون بالًا لنتائج أكاذيبهم الفجّة، فكل رئيس أمريكي يُمارس الكذب المُتعمّد كما يأكلون ويشربون، ولو تتبعنا رؤساء أمريكا منذ قيامها وإلى اليوم، لوجدنا أنَّ أغلب الرؤساء مارسوا الكذب علنًا جهارًا نهارًا، وكانت عواقب ذلك إما الإطاحة به وفشله في الفوز بولاية رئاسية ثانية، أو تلطيخ سمعته السياسية والحزبية.
الأكاذيب الأمريكية لا حصر لها، لكن ماذا عن فضيحة "إيران جيت" أو "إيران كونترا"، عندما باع الرئيس رونالد ريجان- سرًا- أسلحة لإيران في الحرب العراقية الإيرانية، بينما كان الموقف الأمريكي الرسمي داعمًا ومُساندًا للعراق!!
وماذا عن توريط أمريكا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين ليرتكب خطأه الاستراتيجي باحتلال الكويت، بتحريض أمريكي، فقد أخبروه أن الولايات المتحدة ستعتبر ذلك بمثابة "شأن داخلي"!!
وفي أفغانستان، أطلقوا الأكاذيب وحرضوا على الزج بالعرب للذهاب إلى أفغانستان بزعم "الجهاد" ضد النظام الشيوعي، وذهب شباب الأمة لمعركة لا تخصهم، فمنهم من مات، ومنهم من عاد مُتطرفًا وفجّر نفسه بين أهله وفي قلب وطنه، لنكتشف بعد ذلك أنَّها كانت أكذوبة رخيصة، هدفت إلى وضع شوكة في خاصرة روسيا، ونقطة استراتيجية لزعزعة استقرار الصين التي تتشارك حدودًا كبيرة مع أفغانستان.
وماذا عن كذبة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عندما زعم أنَّ العراق يملك أسلحة دمار شامل، واتخذ من ذلك ذريعة لاحتلال هذا البلد العربي الكبير وتدميره وسحقه. وعزز كذبته وزير دفاعه آنذاك كولن باول، الذي تعمد عرض "فيلم مُزيّف" في مجلس الأمن الدولي عن تلك المزاعم الكاذبة، ثم ندم أشد الندم ووصف ذلك في مذكراته بـ"الكذبة الحمقاء"!
وماذا عن كذبة الرئيس دونالد ترامب عندما ادعى أنَّ شركات التكنولوجيا الصينية تتجسس على الولايات المتحدة، ونفذ أعنف حربٍ اقتصادية ضد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ليس لشيء سوى أنه يتوجس من صعود التنين الصيني بنموذجه التنموي الرائد وسعيه الحثيث لإحلال السلام والتنمية في العالم. وقد كشف ترامب في خطاب جماهيري له على الملأ، الكذب الذي مارسه الرئيس الأسبق باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، عندما أكد بالوثائق أن تنظيم "داعش" صناعة أمريكية، وأن أوباما وكلينتون كانا يقدمان لهذا التنظيم كل الدعم اللازم.
وماذا عن الكذب والافتراء بأنَّ إيران تُهدد دول الخليج، وأن المحور الإيراني السوري سيبتلع المنطقة ما لم يتم القضاء عليهما! ما دفع بعض دول المنطقة لشراء أسلحة وصواريخ بمليارات الدولارات، كان من الأولى إنفاقها على التنمية والتعمير وبناء المدارس والمستشفيات، وتعزيز الاستثمارات البينية المشتركة.
مسلسل الأكاذيب الأمريكية لا نهاية له؛ بل هو أحد أعمال هوليوود الأصلية بامتياز؛ فالولايات المتحدة تحترف صناعة الأكاذيب وتُتقن ذلك بشدة، ولا مانع من تهيئة المشهد السينمائي، من خلال تجهيز مسرح الأحداث، ووضع الأهداف في أماكنها، وتسليح الأطراف، وإطلاق الدعاية الإعلامية المُضللة، وسكب الزيت على النَّار.. كل ذلك منهجية أمريكية تتبعها واشنطن لتحقيق أهدافها المُعلنة والسرية، على السواء، بينما تدفع الثمن الشعوب المُستضعفة، ويكتوي بنيران الحرب المدنيون، الذين يتجرعون مرارة الفقد والحرمان من الأحباء.
لذلك نؤكد أن الكذبة الأمريكية الخسيسة بأنَّ المقاومة هي التي قصفت مستشفى المعمداني، محض هراء بيِّن، ومزاعم لا ترقى حتى إلى مستوى الشُبهات، ويكفي أن إسرائيل فور قصف المستشفى أعلنت مسؤوليتها، لكنها تراجعت وزعمت أنها ضربت "مرآب" المستشفى وليس المستشفى نفسه!! الخبراء العسكريون أكدوا بالأدلة الدامغة أن أسلوب التفجير الذي وقع في المستشفى سبق تنفيذه في حوادث سابقة، وهو أسلوب يعتمد على إطلاق قنبلة أمريكية يتم توجيهها بدقة لإصابة الأهداف بمعدل خطأ صفر تقريبًا، وهي قنبلة تسمى "MK-48" وهي من الأسلحة النوعية التي أعلنت أمريكا إرسالها إلى إسرائيل قبل هذه الجريمة، بنحو 3 أيام، وما جمعه المراقبون من شظايا التفجير يُبرهن ما سبق، وهي قنبلة سبق أن استخدمها الجيش الأمريكي في سوريا والعراق، ولذلك كُنَّا نجد حصيلة وفيات هائلة دون هدم كبير للمباني التي تعرضت للقصف، وهذا هو سر هذه القنبلة الخطيرة.
الوقائع تؤكد أن أمريكا أدمنت الحروب، والاقتصاد الأمريكي يقتات على غنائم الحروب، فمبيعات السلاح الأمريكي سنويًا تتخطى في المتوسط 140 مليار دولار، ولذلك من مصلحة أمريكا تأجيج نيران الحرب هنا وهناك، وعدم وضع حلول للصراعات؛ بل إدارتها!
ويبقى القول.. إنَّ الأكاذيب الأمريكية بلغت من الوقاحة مبلغًا لم يعد يُحتمل، لا سيما وأن العواقب دائمًا ما تكون كارثية، وتؤكد هوان الإنسان وضعفه أمام هذا الجبروت الأمريكي الإسرائيلي، لا سيما في فلسطين المحتلة، ويبقى على العالم الحر الواعي الذي بدأ يستفيق من الخطاب الإعلامي المُضَلِّل، وقد عبّر عن ذلك في الاحتجاجات العارمة التي عمّت أنحاء العالم وتحديدًا في أوروبا وأمريكا، حتى إن المحتجين على الدعم الأمريكي الغربي للوحشية الإسرائيلية اقتحموا مبنى الكونجرس وتظاهروا في بهو هذا المبنى الذي يُعد قلعة حصينة، أن يُدرك حقيقة هؤلاء القادة وتلك الدول التي تمارس الكذب دون صفرة وجل ولا حمرة خجل؛ بل ويُمعنون في ترديد القاعدة الدعائية النازية "اكذب ثم اكذب.. حتى يصدقك الناس".. وهو ما يفرض علينا جميعًا أن نواصل معارك الوعي وصحوة الضمير واليقظة الدائمة لكل ما يُحاك لنا ويُطمر في سراديب السياسات الغربية ضد منطقتنا.