أهون من بيت العنكبوت

 

خالد بن سعد الشنفري

في يونيو عام 2021، كتبتُ مقالًا عن حرب الأيام الـ11 على غزة العزة، في جريدة الرؤية بعنوان "بين أحمد سعيد ووائل الدحدوح"؛ بمُناسبة مُضي نصف قرن على "نكسة 67" ومذيعها الشهير أحمد سعيد مذيع إذاعة صوت العرب، وقارنت الوضع بانتصار غزة في يونيو 2021 ووائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة.

ما زال الدحدوح متسيدًا موقعه وحصريًا بلا منازع في نقل حروب غزة في كل جولاتها الأخيرة التي تكررت  وتصاعدت وتيرة صواريخ كتائب المقاومة على غلاف غزة في الجولات الأولى وتمدد رقعة أهدافها بعد ذلك في كل جولة، وازدياد مداها حتى طالت تل أبيب ومطار بن جوريون. وكان الدحدوح وكاميرات مصوري فريقه وقناة الجزيرة ينقلون لنا الحدث لحظة بلحظة، عشناها معهم، وما زلنا نحن منذ 20 عامًا كما نحن، وإن كنَّا قد صرفنا النظر عن ترديد المقولة التي أوهمونا بها دهرًا وصدقناها بـ"أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر" واستبدلناها بعد ذلك بجملة أخرى رافقت ظهور حماس على الساحة وهي أن أسطورة قوة الجيش الذي لا يقهر ما هي إلا أهون من بيت العنكبوت، وليس كما صوروها، وستهوي قريبًا بإذن الله.

كنَّا كعرب قد اكتفينا مؤخرا بالتفرج- للأسف الشديد- على ما يحصل وكُنّا بين مؤيد للمقاومة وصواريخها، وبين مشكك بأنها لا تتعدى كونها ألعابًا نارية وليست فعَّالة وتتسب في موت مدنيين أكثر من فعاليتها، نتيجة ردة الفعل العكسية بقصف المدنيين بأحدث الطائرات الأمريكية وأثقل وأفتك الذخائر في العالم بعد كل جولة صواريخ.

لم أكن مقتنعًا شخصيًا بأنَّ قوة إسرائيل وجيشها أهون من بيت العنكبوت بعد كل المعارك التي دخلناها معها كعرب على مدى 75 عامًا .

اليوم وفي حرب "طوفان الأقصى" الحرب الأكتوبرية الثانية (7 أكتوبر)، ورغم أن "الألعاب النارية" (كما يحلو للبعض أن يطلق عليها للأسف) أرعدت وأربدت وغطى لهيبها سماء العدو كعادتها كل مرة، كانت هذه المرة ليس الهدف منها مجرد القصف في حد ذاته، وإنما تمهيد لينشغل بها العدو وقبته الحديدية كالعادة لينساب على إثر ذلك المئات من رجال المقاومة إلى عقر دار العدو ليقلبوا الأرض هذه المرة تحت أقدام جنوده، ويقلبوا الموازين ويتفاجأوا ببسالة رجال المقاومة وجها لوجه وجرأتهم التي صدمتهم وشلّت قدراتهم تمامًا.

هل كنَّا نحن سابقًا من ينطبق عليهم وصف "أهون من بيت العنكبوت"، ولذلك لم ننتصر أم هل كانوا هم فعلاً قوة لا تُقهر؟ وهل إننا قهرناهم هذه المرة لأننا لم نعد أهون من بيت العنكبوت كما كنَّا سابقا؟! لقد أجاب على كل ذلك أبو عبيدة المتحدث الإعلامي الرسمي باسم كتائب القسام في آخر تصريح له بأن العدو انهار وأصيب بالصدمة عندما شاهد بسالة رجال المقاومة وإيمانهم مصداقًا لقوله تعالى: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز" (الحج: 40).