خالد بن سعد الشنفري
لموسم الخريف في كل عام في ظفار شجون وشؤون تسبق قدومه، وتتملك من يعيشه، وكذا الحال مع وداعه وفراقه.. وليس بمستغرب علينا نحن أبناء محافظة ظفار هذه المشاعر الجياشة الرائعة التي نعيشها في هذا الموسم في مراحله الثلاثة ولا نطمح في أكثر من ذلك.
درجنا هنا في ظفار منذ مئات السنين على هذه الحالة ولا نطلب أكثر من ذلك، اللهم الرجاء من الله عز وجل أن يديم علينا هذه النعمة، أعوامًا وأعواما.
لطالما وما زال لنا في هذا الموسم من رخاء وغيث رباني يعُمّنا بشرًا وزرعًا وضرعًا، ولما فيه لنا من راحة وفرحة واستجمام؛ فالسماء تمطر، والأرض تنمو وتثمر، وتتوليان عنَّا بذلك كل عناء وجهد، وفي كرم رباني عظيم قلَّ أن تجد له مثيلاً في بلاد الله الواسعة، كل ما علينا سوى الحصاد والشكر لبقاء هذه النعم. لذلك تعودنا على اتخاذ كل جميل في هذا الموسم بدءًا بأعراسنا وأفراحنا والخروج للطبيعة للتنزه وللتخييم في الجبال والسهول ولمناسباتنا السعيدة والتزاور فيما بيننا، وصلة الرحم.
اليوم.. أصبح يشاركنا في كل ذلك إخوة كرام من كل ربوع سلطنتنا الحبيبة وخليجنا العربي الواحد وشبه جزيرتنا العربية، والدائرة تتسع عامًا بعد الآخر. أصبحت مسؤوليتنا أعظم بلا شك لنجود على زائرينا بما أجاد به الله علينا، ونشاركهم نعمهُ، بأن نهيئ كل السبل ليتمكنوا من مشاركتنا هذه النعمة وهذه الفرحة بيسر ودون عناء يذكر.
اليوم وبعد شبه انقضاء الموسم وعلمنا أن الرقم الذي وصل إليه زوارنا لهذا العام قد قارب 800,000 زائر، فإن في ذلك مؤشرًا واضحًا على أن الموسم المقبل سيحطِّم رقم المليون زائر بإذن الله، وكلهم سيتوافدون على هذه الرقعة الجغرافية لمناطق الخريف في المحافظة. فماذا أعددنا لذلك؟! وليكن سؤالنا من منطلق حُسن إكرام الضيف على أقل تقدير، أو أنه من منطلق الحدّ أو التخفيف من إرهاق اقتصادنا الوطني الذي جعل نصف مليون عماني يصرفون أموالهم داخل الوطن بدلًا من خروجها للخارج، ومردود مثل ذلك وأكثر يأتينا من الخارج كل عام، وما يمثله ذلك من رفد لاقتصادنا الوطني.
التقيتُ اليوم في أحد الفنادق بأحد الشباب العراقيين، وعرفت منه أن لديه جروب سياحي عائلي عراقي عددهم 150 زائرًا أتى بهم، رغم أننا لم نعد في ذروة الخريف وموسم الأمطار، وعندما لاحظ اندهاشي قال لي إنهم مستمتعون أيُّما استمتاع بوجودهم في ظفار بعيدًا عن صيف بغداد، وأن معظم برامج زياراتهم لجبال ظفار وعيونها وأوديتها الغناء.
وبالحديث مع هذا الشاب العراقي "مُصعب" والذي كان حديثًا ذا شجون، عرفت منه أن هذا يعد ثالث موسم سياحي له وشركته لإحضار مجموعات سياحية، إلى خريف ظفار، وأنهم بدأوا بعدد متواضع، لكن وصل في هذا الموسم إلى 600 شخص.
إذن العراق الشقيق دخل مؤخرا بدوره على خط خريف ظفار، وما أدراك ما العراق، وما السائح العراقي، حسبما نعرف ونسمع عنه، وما قاله لي "مصعب" نتيجة اختصاصه وعمل شركته في هذا الجانب بين العراق ودول أخرى عديدة، فإنه يتوقع أن يتضاعف هذا العدد وأكثر في الموسم المقبل، وأن رحلات المجموعات السياحية من بغداد إلى مسقط التي يقضون فيها مدة يومين لزيارة أهم معالمها، وفي صلالة يتم استئجار حافلات لتنقلاتهم مع الاستعانة بمرشدين سياحيين من الشباب العماني لمرافقتهم في جولاتهم والتعريف بكل موقع يزورنه.
السؤال الآن لوزارة التراث والسياحة ومديريتها في المحافظة ومكتب المحافظ وبلدية ظفار وكل جهة حكومية معنية بالسياحة في المحافظة والسلطنة قاطبة، ماذا أعددتم وستقدمون لمثل هؤلاء، ومن يأتون بهم لزيارتنا ليقدموا بدورهم لنا المزيد؟!
سألت محدِّثي "مصعب" ماذا تأمل من كل هذه الجهات لتيسير ومضاعفة عملك فأجابني: "بالنسبة للعراق لا أطمح أكثر من نشر وترويج خريف ظفار سياحيًا هناك، وتزويدنا هنا في الموسم المقبل بأي مطويات أو إعلانات ترويجية لنشرها في العراق؛ لأنه ما زال خريف ظفار غير معروف لدى العراقيين، وكل اعتمادنا على ترويجنا الشخصي، وعلى انبهار من نأتي بهم بعد وصولهم وبدورهم ينقلون ذلك لغيرهم، شخصيًا أو بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، وأضم صوتي للأصوات الكثيرة التي تنادي وتطالب بتطوير السياحة في ظفار والتي نسمعها من معظم زوار ظفار أنفسهم والتي أعتقد أصبح الجميع يدركها ولم يتبق، إلّا التنفيذ الفعلي لذلك، من الآن، مع عدم الانتظار حتى الموسم المقبل". انتهى كلام مصعب.
في الحقيقة لم يسعفني أي رد أفيده به إلّا أن أضم صوتي إلى صوته، وهذا أضعف الإيمان، وادعو الله معه أن تُستجاب المقترحات، وكل موسم خريف والجميع بخير.