لحظات لا ننساها من حياتنا

 

حمد الحضرمي **

 

لقد خلق الله الإنسان في أجمل آية إلهية باهرة، تدل على عظمة الخالق جل جلاله في علاه، وأصبح الإنسان هو خليفة الله في الأرض والمسؤول عن إعمارها بكل ما هو طيب وجميل. وتمر علينا في هذه الحياة لحظات لا تنسى من الذاكرة والوجدان، لحظات أفراح وأتراح، اجتماع وشتات، ضحك وبكاء، صحة وسقم، راحة وضنك، ابتهاج والتياع، فكم بكينا، وكم خذلنا، وكم خسرنا، وكم ظُلمنا، وكم عشنا من لحظات صعبة بين الهموم والأحزان، وكم ضحكنا، وكم انتصرنا، وكم عشنا من لحظات فيها فرح وسعادة وسرور وسلام.

الحياة هكذا هي، فيها لحظات سعيدة جميلة، وفيها لحظات حزينة قبيحة، لا تنسى مهما طال الزمن أو قصر، وكيف ينسى الإنسان يوم ولادته، يوم أن خلقه الله من العدم في أطوار، وفي آية في الحسن والجمال والإتقان، وهذه لحظات تحتاج منَّا الشكر قولًا وفعلًا، والتحلي بالتواضع أمام العظمة الإلهية، والتعامل مع النَّاس بتواضع وأخلاق عالية. وكيف ينسى الإنسان لحظات حياته وهي تمر عليه سريعًا وهو يكبر يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة، ويلتحق بالمدرسة ثم ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، حتى يصل إلى أصعب مرحلة دراسية مفصلية في حياته، وهي مرحلة الصف الثاني عشر، والتي يتذكر لحظاتها لحظة بلحظة، لأن نتيجتها سوف تحدد له أي تخصص وأي كلية يدرس بها، وينتظر كل الطلبة والطالبات والآباء والأمهات إعلان النتائج بترقب وأمل ورجاء، وعند إعلان النتائج، كم منَّا من ابتهج وفرح، وكم منَّا من يئس وحزن، وتمر هذه اللحظات التي لا ننساها من حياتنا وحياة أبنائنا وبناتنا، بحلوها ومرها، بفرحها وحزنها، بسعادتها وشقائها.

ومن منَّا ينسى لحظات يوم حفل تخرجه أو تخرج أبنائه أو بناته من الكلية والجامعة، وقد مرت عليهم لحظات وأيام وسنوات صعبة في الدراسة والاختبارات، ورغم الصعوبات والتحديات ولله الحمد والمنة اجتازوها بنجاح وتفوق، ويوم التخرج تكون القاعة مملؤة بالخريجين والخريجات وأولياء الأمور، والسعادة لا تفارق محياهم، إنها سعادة لا توصف في لحظات لا تنسى، ثم تتوالى اللحظات السعيدة، ويأتي يوم التعيين بالوظيفة ومباشرة أول يوم عمل كمعلم أو طبيب أو مهندس أو موظف بجهاز الشرطة، أو موظف بالجيش، أو موظف في الحكومة أو في القطاع الخاص، وتكون اللحظات الأجمل عندما يستلم الموظف أول راتب له من العمل، فيبادر على عجل ليشتري بعض الهدايا القيمة لأصحاب الفضل عليه بعد الله وهما والديه، فيقدم لهما الهدايا تقديراً وثناءً وعرفانًا لهما على الجهود المبذولة منهما والعطاء المُثمر، وتستمر نعم الله علينا واللحظات الجميلة لا تتوقف، حتى يأتي يوم السعد، يوم الزواج الذي يجمع الله به الزوجين في رابطة مقدسة، ينتظرها الشباب من الذكور والإناث والآباء والأمهات بفارغ الصبر، وخلال سنة أو أكثر يرزق الزوجان بأول مولود لهما فيصبحان أبوين، ويصبح الأبوان جدين، ويتحمل الزوجان مسؤولية الرعاية والتربية، إنها بحق لحظات لا تنسى من الذاكرة، لحظات كلها سعادة وبهجة وسرور.

 

ومن منَّا ينسى أجمل لحظات حياته، وهو في شبابه وقوته وحيويته ونشاطه وصحته وعافيته، ووقوعه في الأخطاء والتجاوزات، وعدم التمتع بالحكمة والبصيرة في قراراته، ثم تمر هذه المرحلة بخيرها وشرها، بحلوها ومرها، ثم نكبر وبعد سنوات طويلة في العمل بجد وتفانٍ وإخلاص نحال إلى التقاعد ويغزونا الشيب، وتبدأ القوة تنهار، والحيوية والنشاط يقلان، والصحة والعافية يضعفان، وتظهر الأمراض والأسقام على الجسم المتعب، كأمراض السكري والضغط والقلب والشرايين وهشاشة العظام، وتستمر الحياة حتى تأتي لحظات الوداع والفراق الأبدي، ونفارق الدنيا ونترك الأهل والأولاد والأقارب والأصدقاء والأحباب، لنلقى رباً لطيفاً كريماً غفورًا رحيمًا، يغفر لنا ذنوبنا ويدخلنا جنات النعيم، ومن منَّا ينسى لحظات مرض أبيه أو أمه، وهو يرى أبيه أو أمه أمام عينيه يتوجع ويتألم، ولا يستطيع مساعدته لأن المرض مرض قاتل، سوى الوقوف بجانبه والدعاء له والصدقة عنه، إنها لحظات صعبة لا تنسى من حياتنا.

ثم يأتي يوم أصعب من الأول يوم يقسو الزمان والمكان علينا، وتتعاظم فيه الهموم والأحزان، لأن بعد هذا اليوم لن نجد من يحن علينا، ولا من يدعو لنا بكل حب وإخلاص، أنه يوم فراق الأب أو الأم بوفاتهما، إنها لحظات فراق حزينة أليمة، تجعل الروح والقلب يبكيان بحرقة، لأن رحيل الأب عن الدنيا خسارة كبيرة لا تعوض ويكسر الظهر، لأن الأب صاحب قلب كبير وحب صادق وعطاء ووفاء وتضحيات ليس لها مثيل، وتكون الخسارة أكبر عندما ترحل الأم عن الدنيا، لأنَّ الأم هي الحياة وهي العطف والحنان والعطاء دون مقابل، وصاحبة الدعوات الصادقة المستجابة من رب السماء، إنَّ رحيل أحدهما فاجعة كبيرة، ورحيل كليهما طامة كبرى، لا يتوقف البكاء برحيلهما والحزن لا ينتهي، فالله الله بالأب والأم إن كانا أحياء كليهما أو أحدهما، عليكم ببرهما وحسن مُعاملتهما وخدمتهما بالحب والاحترام والتقدير، والدعاء لهما بعد وفاتهما، لأنهما قد انقطع عملهما وبقي لهما أولاد صالحون يدعون ويتصدقون عنهما.

ومن منَّا ينسى لحظات الخذلان من الأهل والإخوان والأخوات الأشقاء وغير الأشقاء، ومن الأزواج والأصدقاء، إنها لحظات مؤلمة حزينة تحطم المبادئ والقيم والأسس والأخلاق، وهو شعور قاسٍ يأتي بعد ثقة وحب وإخلاص ووفاء دام سنوات طوال، وفي موقف صعب يحتاج إلى صدق المشاعر والأحاسيس، وإلى تضحية ووفاء، فتتفاجأ وتنصدم من موقف الخذلان من الذين كنت تتوقع منهم الحب النقي الصادق، فيخذلونك ويتركونك لوحدك تصارع الصعاب، فيحدث هذا الموقف جرحًا وشرخًا عميقًا في قلب الإنسان المخذول، إنها لحظات صعبة عندما تكشف لك المواقف والأيام معادن الأهل والإخوة والأصدقاء، والحقيقة أن الحياة أصبح ليس فيها أمان لأحد، وربما تأتيك الطعنات من أقرب الناس إليك، وقتها كن على يقين، وخذ الحيطة والحذر، لأنَّ الحقائق ستنكشف وتسقط الأقنعة، ويبقى الأخ والزوج والصديق المخلص الوفي الأصيل ثابتًا على المبادئ والقيم والأخلاق وعلى الوفاء والحب الصادق المخلص، الذي لا يتغير ولا يتبدل للأبد.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك