فلاسفة هذا الزمن

 

 

أحمد بن موسى البلوشي

الجهل في وقتنا الحالي يُمكن أن نُعرفه بأنه "عدم المعرفة أو الفهم الصحيح لموضوع ما"، وقد يكون هذا الجهل نتيجة لعدم توافر المعلومات المناسبة والصحيحة، أو عدم القدرة على استيعابها أو الإلمام بها، أو لضعف المصدر المستقى منه هذه المعلومات والبيانات، ولا يمكن اعتبار الجهل عيبًا، وإنما هو فرصة لاكتساب المعرفة، والبحث عن المعلومات الصحيحة، ولكن يجب أن نكون مدركين لهذا الجهل، ونسعى جاهدين للتغلب عليه عن طريق زيادة المعرفة والفهم للمواضيع التي نجهلها، ومن العيب أن نُصر على هذا الجهل من خلال ما نقوله ونطرحه ونكتبه في وسائل التواصل الاجتماعي حول الكثير من المواضيع التي تُطرح وهو بعيد كل البعد عن الحقيقة والمصداقية، والسبب في ذلك قلة المعرفة حول هذه المواضيع، والتمسك بالرأي الواحد وكأني أعرف كل شيء ومُلم بكل تفاصيل هذه المواضيع التي يتم طرحها، ويرفضون الاستماع للآخرين ووجهات نظرهم.

الكلُّ منا يسعى دائما للبحث عن المعرفة والمعلومة لكي يكون لديه إلمام ولو كان بسيطًا عن بعض الأمور التي يتم تداولها، وهذه هي طبيعة الكثير من البشر، فسابقًا تُطلق كلمة الجهل على الأشخاص غير المُتعلمين، أما الآن فأعتقد أنَّ هذه الكلمة تُطلق على الأشخاص الذين يهرفون بما لا يعرفون حول الكثير من الأمور التي تطرح، والسبب قلة المعرفة والعلم لديهم حولها، وللأسف بأن هذه النوعية من الناس تتكاثر بشكل غير طبيعي في واقعنا الحاضر، فتجدهم في منزلك، وفي عملك، وفي المجتمع الذي تعيش فيه، وفي سفرك، وبين أصدقائك،  وفي جميع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. يقول تيري براتشيت: "يقولون إنَّ القليل من المعرفة أمر خطير، لكنه ليس نصفًا سيئًا مثل الكثير من الجهل".

ليس من العيب أنْ تشعر بأنَّ لديك معرفة قليلة حول بعض المواضيع والمجالات؛ لأنَّ هذا الأمر شائع عند الجميع ولأسباب كثيرة، ولكن العيب الأكبر بأن يكون مصدر هذه المعلومات التي تمتلكها هو الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، فيقوم بتجميع المعلومات من خلالها وكأنها هي المصدر الحقيقي للمعرفة، وكان بالإمكان لأي شخص أن يتغلَّب على هذا التحدي من خلال القراءة والبحث والاطلاع، والتواصل مع أصحاب العلاقة والسؤال عن الموضوع وتجميع الحقائق السليمة بدلًا عن "قال فلان" و"سمعت من فلان"، ولا ننكر بأن هناك أشخاصًا يمتلكون الكثير من المعرفة حول المواضيع والقضايا التي تطرح، وهذا يكون جليًّا من خلال ما يطرحونه، وتقبُّلهم للنقد، واستماعهم لآراء الآخرين بصدر رحب. يقول ديفيد روبسون: "من السهل أن تعتقد أنك تمتلك المعرفة الكلية، لكن بالتأكيد أنت تعرف أقل مما تعتقد".

يجب علينا ألا ندعي المعرفة لكل شيء، وأن نتحصل على هذه المعرفة من خلال القنوات والمصادر التي توفر لنا المعلومات السليمة والصحيحة، والشخص الذي يدَّعي معرفته لكل شيء فهو يجهل الكثير من الأمور، يقول الأمير محمد بن سلمان: "إنني أؤمن بأنَّ البشر يتعلمون حتى آخر يوم في حياتهم، وأي شخص يدَّعي معرفة كل شيء لا يعرف شيئًا حقًا".

تعليق عبر الفيس بوك