هل تكفي العيد.. رسالة؟

 

 

محفوظ بن راشد الشبلي

 

في زمان كنَّا نستقبل فيه الأعياد بطابع تغلب عليه العفوية في طريقة الاحتفال؛ فقد كان الابتهاج فيه يأخذ جانب التسابق للتجهيز له بفترات تسبِق موعده بأسابيع، والبعض كان يُسابق الاستعداد له بأشهر، وكانت النفوس في شوق وبهجة لتُلامس ذلك الموعد الجميل وتنتظره بفارغ الصبر لتحيا وتعيش تفاصيله التي تبقى عالقة به في أذهاننا؛ فقد كان الاستعداد النفسي له يسبق استعدادنا الشكلي لتجهيزاته الملموسة وكانت الفرحة هي الغالبة على الشكل للتعبير بفرحة العيد وبهجته.

وقد كانت من مراسيم بهجة العيد الرسمية التي عهدناها بعد أداء صلاة العيد، والتي قل صخبها في أعيادنا الآن باختلاف الزمان والمكان بين حاراتنا القديمة سابقًا، واختلاط السكان في حاراتنا الحديثة حاليًا هو الاصطفاف في فناء المسجد وخارجه للتحية والسلام وتبادل التهاني والتبريكات والتقاط الصور التذكارية بالعيد السعيد علينا جميعًا صغارًا وكبارًا شيوخًا وشبانًا والتي لا أزال شخصيًّا أحتفظ بصور ذكرياتها الجميلة في الألبومات المأخوذة بكاميرات التصوير حينها قبل نزول كاميرات الهواتف الذكية حاليًا، والتي تحتوي على صور آباء وأجداد وأصحاب رحلوا عنّا في رحمة اللّه، وبقيت صورهم تمطرنا حنينًا وشوقًا لهم وخاصة عندما تَمرنا الأعياد بدونهم ونصحبها بدعوات الرحمة عليهم جميعًا ونحن في أبهى حُلل ومنظر وشياكة العيد والذي نحرص عليه جميعًا دون تفويت تلك الفرصة السعيدة وذلك المشهد العظيم والمنظر البَهي بأفراح العيد وسروره الذي يغمرنا بهجة، مصطحبين معنا مُفرقعات العيد التي تملأ ساحة المسجد الخارجية بأصواتها وألوانها عند اشتعال فتيلها.

وفوق ذلك الاستعداد كله كان آباؤنا رحمهم اللّه يُركّزون قبل الاستعداد المادي للعيد بأهمية الاستعداد الروحي والنفسي لسلام وتحية العيد للأقارب والأصدقاء والأصحاب بزيارتهم وتهنئتهم حضوريًا، ويقولون بأن العيد لا نهنأ ولا نبتهج به إلّا بتلك الزيارات وتلك التحايا والتجمعات العائلية قبل الأكل والشرب في العيد؛ لذلك فقد كنّا نستعد لتلك الزيارات جميعًا ونُخصص لها مساحة الفراغ الواسعة والوقت الكافي لتأدية واجبها المقدّس الذي أوصى به الإسلام والسنة النبوية الشريفة قبل تأكيد الآباء والأجداد عليها، وكان الأقارب كذلك يحرصون عليها حرصًا شديدًا وبالغ الأهمية لزيارتنا هم وعيالهم صباح العيد أو في ثاني أيامه السعيدة وتناول قهوة العيد وطعامه المتنوع بأشكاله وألوانه، وقد كُنَّا نشعر بالحسرة الشديدة في نفوسنا إن لم نلتقِ بأصحابنا وزملائنا مع مرور الوقت في أيام العيد دون اللقاء بهم للسلام والاطمئنان عليهم ونحسب حسابهم فردًا فردا كي لا ننسى منهم أحدًا لزيارته.

إلّا أنَّ الحاضر في أعيادنا الآن قلَّ فيه ذلك الصخب نوعًا ما باختلاف الزمان والمكان وبتغيّر نفسية البشر وبرحيل بعض ذلك السلف الذي تمسَّك بتوارث تلك العادات والتقاليد وتلك المراسيم في الأعياد كما أشرنا لها، وضعف فيه رابط التأكيد حضوريًّا للسلام ولتحية العيد على أن لا يهنأ بالعيد من فرط في تأدية تلك المشاهد العظيمة في نفوسنا والتي عهدناها أبًا عن جد، والتي أكَّد عليها ذلك السلف وسلك فيه الجيل الجديد منحى آخر جديدًا بالّلوذ عنها واتخاذ وسيلة الهاتف المحمول طريقة مُبتكرة وباردة المشاعر للتواصل والتعبير الشكلي بالاتصال أو بإرسال رسالة نصية فحواها عيدكم مبارك، عِوضًا عن عناء التكلّف بالزيارة والحضور للسلام والتحية بالعيد، والتي كان السلف لا يهنؤون بالعيد إلّا بها، والتي يسعون جاهدين لأداء واجبها، بل وأصبحت الصدور تكتنفها بعض التحفظات عن ما تحمله تجاه الآخرين في طريقة التعبير بما يختلجها تجاه أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم وناسهم الذين ينتظرون العيد بفارغ الصبر ليرى بعضهم الآخر للاطمئنان عليه وتبادل السلام بينهم، بل وإن بعض من أصحابنا في وقتا الحالي يمر علينا العيد تلو العيد ولا نراهم ولا نلتقي بهم إلَّا من خلال التواصل الضعيف والقليل جدًّا بالرسائل النصية عبر الهواتف المحمولة، وضاعت أهمية اللقاءات الحميمة التي تجمعنا بهم، والتي عهدناها منهم للأسف في سالف الأعياد، وكأن سلام العيد أصبح بلا أهمية لديهم بعد ما كان العيد لا يهنأ إلَّا به.

والسؤال الحائر اليوم: هل العيد بما يحمله من مشاعر وأحاسيس جيّاشة روحية ومعنوية في نفوسنا، هل تكفيه رسالة باردة عبر الهاتف فحواها "عيدكم مبارك" للتعبير عن تهانيه وأفراحه وتبريكاته؟ فإن كان الجواب بـ"نعم" فَرَحِم اللّه تلك الأجيال التي تعاقبت وتلك الأيام الجميلة التي رحلت وتوارت خلف التحديث وأعاننا اللّه على ما هو قادم في مستقبل زماننا.

 

mahfood97739677@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك