"لا".. جملة كاملة

 

أمينة أحمد

في البيوت العربية القديمة التي يحفّها الحب والدفء والاحترام،  ويملأ أرجاءها الكثير من الطاعة والرضا حيث تبدو هناك الحياة العائلية وردية اللون معطّرة بالياسمين تكاد تميل للحياة الفاضلة التي حدّثنا عنها العالم أفلاطون في المدينة الفاضلة، في تلك البيوت وحسب ما رسمنا عنها في مخيلتنا عن الماضي لا وجود لكلمة "لا"؛ حيث حذفت من قاموس الزوجة في وجه الزوج، وكذلك يُمنع قولها من قبل الأولاد للأب أو الأم، حتى يكاد مجرّد النظر في وجه الأب وهو غاضب أمر مرعب ومعيب.

واليوم في القرن الواحد والعشرين ما أحوجنا لكلمة "لا" الواضحة والصريحة، وفي الحقيقة هي ليست كلمة من حرفين بل هي أكثر من ذلك "لا" جملة كاملة تختصر الكثير من الشرح والتوضيح والتبرير لأمور لا ينفع فيها الوسطية ولا اللون الرمادي.. لا ينفع فيها القيل والقال وكثرة السؤال... تكون جازمة حازمة نافية كافية عن الكثير من الكلام..

فمتى تكون " لا " جملة كاملة صحيحة في موضعها معبّرة عن ما في داخلنا دون خجل أو وجل؟ يبدأ استخدام كلمة " لا " عند كل محرم يراد أن يحلل بشكل ما فلا للشرك بالله.. لا لعقوق الوالدين.. لا لأكل مال اليتيم، لا لنهر السائل في الطريق، لا للسرقة، لا للتخريب.. وتطول القائمة!

ومن ثمة ننتقل لقول كلمة " لا " لكل ما يلوّث مبادئنا بأفكار وأفعال سامة... فلا للمثلية... لا للمخدرات... لا للتنمر... لا للنميمة... لا لقهر النساء... لا للاستغال الجنسي... لا للاستغلال العقلي...  وكذلك تطول القائمة.

ومن ثمة ننتقل لقول كلمة "لا" في ما يحصن صحتنا النفسية ويحسن علاقاتنا الاجتماعية حيث يجعلنا في حال من التصالح والرضا مع النفس والآخر وهنا نقول:

لا للكره.. لا للحقد.. لا للضغينة.. لا للكذب..  لا للخداع... لا للقسوة.. لا للظلم.. لا للمراوغة

فلو استعملنا كلمة لا في موضعها الصحيح لكانت جملة كاملة واضحة.

من الصحيح أن نعبر عن رفضنا لأي شيء يخص أمورنا الحياتية اليومية من خلال النقاش مع الوالدين والإخوة أو حتى الأصدقاء أو الزملاء في العمل، وهنا لا تحتاج لتفسير وتوضيح فالأمور الحياتية تحتمل أكثر من رأي وتختلف فيها وجهات النظر، ولربما اخترنا على تلك الكلمة الصارمة في مفاصل مهمة من الحيلة بكلمات ألطف مثل "لا أرغب.. لا أفضل.. ربما لا يروق لي.. ومن هذا القبيل" وهنا يتطلب منَّا الموقف أن نشرح وجهة نظرنا التي قد تكون صائبة ولربما غير صائبة.

أما بالنسبة للأطفال براعم الحياة ومستقبل الغد الواعد كثيراً ما تستخدم الأم معه لفظ لا بطريقة قوية وصارمة وجازمة يجعله يفزع منها وهنا تترك في نفسه ألف سؤال واحتمال ونعومة أظافر الطفولة تكون غالباً عاجزة عن تفسير سبب كلمة "لا" من الأم  بما يحول شعوره لها غاضب وفي أحيان كاره لها.. وهنا نقول: مع الأطفال لا تستخدم كلمة "لا" دون تبرير واضح وسبب مقنع يتناسب مع قدراته العقلية ويراعي مشاعره الدافئة وإلا لانقلب السحر على الساحر وتعشقت تلك الكلمة في خاطره ووجدانه وألفاظه دون عقله ليرددها على مسامع والدته كلما طلبت منه أمر ما لا يروق له.

ويبقى للحديث بقية!

 

تعليق عبر الفيس بوك