حمد بن سالم العلوي
أعتدنا على غُربان الشؤم التي تنسج العُقَد والدسائس والحروب، وتقرع طبول الحرب والخراب والدمار، وديدنها دس الفرقة ونشر الضغائن بين الحكومات والشعوب، وتهييّج الطائفية والفتن، والمذهبية وكاسرات القلوب، وهي تَقدُم من الغرب المُكفهّر بالكروب والنحس، والقتل وجماجم الأحرار، فليس لهم من هدف إلا تصدير الذخائر والسلاح والعتاد وكل وسائل الاقتتال والهلاك، وتنشيط الفيروسات والأمراض لفنيْ البشر، وتصدير الأدوية الضارة، وكل ذلك من أجل تحريك مصانع شركاتهم وبيع منتجاتها قسرًا للآخرين.
فإن يأتي إلينا طائر السلام من الشرق، محمّلًا بالحرير من الصين، فذلك أمر لا يُطيقه الغرب وكل أعداء الأمم المُسالمة في هذا الكون، وأن تُبادر الصين إلى حل المشاكل، ووضع أسسٍ راسخة للسلام، والوئام والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير، فهذا أمر يُزعج الغرب ويقضُّ مضاجعهم، ويعلن خروج المنطقة عن هيمنتهم، وأن تقرر الشعوب أن ترى ما هو المناسب لها بغير علم الغرب والأمريكان، فذلك هو الأمر المستنكر من قبلهم.
لقد طال انتظار السلام في هذه المنطقة، وهو اليوم يُؤتى به من أقصى الشرق، ليحل السلام والتصالح في غرب آسيا، ومنطقة الخليج وأرض العرب قاطبة دون استثناء، وبشوق إلى الهدوء والحكمة والسكينة والمحبة والسلام، وبعد عقود طويلة وثقيلة من الحروب العبثية، والخراب والدمار والفساد في الأرض. فأولئك الذين زعموا القوامة على أمن المنطقة وسلامها، أشبعوها جورًا وخصامًا وحروبًا على الدوام، فمخطئ خطأً جسيمًا فاحشًا من كان يرجو خيرًا من ذوي عقيدة "فرق تسد" فقد ظلوا أوفياء لعقيدتهم الدهماء بلا هوادة، وها هو بارق الخير يضيء أجنحة شرقية مؤطرة بالحرير، ليحل على منطقتنا خيرًا، بإذن الرحمن.
لقد سُرّت المنطقة وما حولها ببشرى الصلح بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك برعاية جمهورية الصين الشعبية، فهي كدولة عظمى تُعدُّ رعايتها لهذا الصلح بين الدولتين الشقيقتين، مكسبًا كبيرًا ليس للمنطقة وحدها، وإنما للأمن والسلم الدولييْن؛ فالصين لا تهدف من وراء اتفاق الدولتين (السعودية وإيران) إلى تأجيج صناعة السلاح، ووسائل التدمير والقتل، كما عوّدنا الغرب على ذلك، وببث الفرقة والخصام بين الدول والشعوب، وذلك من خلال رسم فالق واسع بين السامية واللاسامية، والديموقراطية الخاصة بالتصدير، والتمييز العنصري بين من يقبل عبودية الغرب له، وبين من يرفض عبوديتهم بكل كبرياء وأنفة.
إنَّ سعادة العالم من المستضعفين بهذه الاتفاقية بين السعودية وإيران، ليس لأنها قد تنهي عقودًا من الفرقة والتنابذ بالألقاب والمذهبية، لكنها ستعيد شعوب المنطقة إلى الطمأنينة والسكينة والاستقرار، وذلك بعدما أُبعد عن المنطقة شبح الحروب والدمار، برعاية من جمهورية الصين الشعبية، وبالطبع إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، ليس بالسهولة التي يعيد فيها الإنسان مجموعة من المربعات تناثرت على الأرض، فهي أعقد من هذا المشهد بكثير، ولكن الحكماء في البلدين سيبذلون شتى السبل لوضع النقاط على الحروف، بما يخدم المنطقة وشعوبها المتعطشة إلى السلام والتوافق بين الجميع.
سعادة الناس تكون بهذا الصلح بقدر ما أصاب أمريكا وربيبتها "إسرائيل" من خيبة أمل، وذهول وخذلان، فعبَّرا عنه بالاتهامات المتبادلة بينهما، عندما أُحْبطت كل مكايدهم ودسائسهم في إشعال حرب كبيرة في المنطقة، كانت ستأتي على الأخضر واليابس كما يُقال، وتدمرها وتفني شعوبها، وتخرّب اقتصادها، لكي تظل إسرائيل صاحبة الكعب الأعلى في المنطقة، ولكن التقادير الربانية أرادت أن تجري مقاديرها بشكل مغاير لما كان يُخَطط له طوال عقود كثيرة مضت.
إذن.. قدرُ الله أن يأتي الصلح على يد دولة الصين العظمى؛ حيث لا دسائس ولا فتن عندما تأتي الرعاية على أيدي أهل الحضارات العريقة، وهم أنفسهم قد أصابهم ما أصابهم من غُبن وظلم على أيدي أصحاب أيديولوجية "فرق تسد"، أو من يبنون متاحف لجماجم الأحرار من أبناء الشعوب، ويسلبون أو يسرقون ثروات الأمم، ومخزوناتهم من الألماس والذهب، وكل نفائس الأرض دون وجه حق، إلا لأنهم أباحوا لأنفسهم الاستيلاء على ممتلكات الغير بالقهر وقوة السلاح.
إنَّ هذا الصلح والتفاهم بين السعودية وإيران ما كان له أن يتم على هذا النحو لو لا قوة الشخصية والشجاعة المطلقة التي تمتع بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في السعودية الشقيقة، فقد أخرج بلاده من تحت المظلة الأمريكية التي ظلت لعقود من الزمن تهيمن على القرارات الاستراتيجية في المنطقة.
وبطبيعة الحال لم يأت الصلح الذي وقّع في الصين، صبيحة يوم الجمعة الماضية دون مقدمات، فقد كان لشكر السعودية لكلٍ من سلطنة عُمان والعراق اعترافًا بوجود جهود كبيرة لهاتين الدولتين، وما نعلمه عن بلدنا عُمان، أنها تؤثر الصمت على ما تقوم به من جهود، فهي تهتم بالنتيجة ولا تهتم بالفرقعات الإعلامية، والتي قد تضرُّ بالنتائج، إذا كان الهدف منها هو مجرد المزيدات، فعُمان وكما قال عنها عميد الدبلوماسية العُمانية يوسف بن علوي ذات مرة "إننا في عُمان لا نتوسط من تلقاء أنفسنا، ولا نسعى للصلح دون أن يُطلب منِّا ذلك، ونحن نُسهِّل لمن يريد النزول عن الشجرة، فإذا أراد المعني بالنزول نساعده على ذلك، ولكن طالما ظل قاصدًا الصعود ومقتنعًا هو بما يقوم به، فنتركه وشأنه".
وعُمان تحتفظ بسلالم طويلة وقصيرة تناسب كل الأشجار، وتبني تلك المقاسات على أطول نخلة نغال أو شجرة نارجيل، ولديها سياسة حكيمة ساحرة؛ بمقدورها أن تذيب الجمود بين أعتى الخصوم حتى لو كانوا خصومها هي، وبمقدورها أن توفر سلالم النزول حتى من على الشجرة اليمانية المتسلقة عاليًا، وذلك متى أراد الصاعدون النزول عنها، وسوف نحتفظ بسلِّم واحد للصعود، وهو سلِّم صعود إلى الطائرة الأخيرة، لإخراج الصهاينة من أرض العرب عن قريب بإذن الله..
حفظ الله الجميع وأيدهم بتوفيقه.