وجه أيهم

 

سارة بنت علي البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

 

عندما تنعدم الرؤية ينعدم الشعور بما  يدور حولك ولكن كيف لك أن تفقد بصرك وأنت ترى وكيف لك أن لا تشعر وأنت بكامل قواك العقلية وقوى إدراكك وإحساسك وكيف لك أن تحلق بعيدا وأنت قابع مكانك وكيف كان هول المشهد الذي جرى.

أي قلب يتحمل أن تجلب فلذة كبده جثة هامدة بعد أن كان النشاط والحيوية يضجان فيه بعد أن كان يملأ أركان المنزل بصوته وحسه وحضوره وكيانه وأحلامه وأوقاته وأيامه وسنينه كيف لك أن تتقبل أنَّ الزمن كله توقف في تلك الحظة وأنك في خطبٍ جسيم وأن الصدمة التي تشعر بها يجب أن تجتازها لأنك الأب والسند والذراع والقدوة وكل شيء كيف لمخلوق مثلك أن يحتمل ذلك الخبر ويراه مرأى العين ويتحسس نفسه هل أنا في حلم هل لازلت في كابوس سيئ ومفزع في منامي هل ما يحدث هذا هو خيال؟!

غير أنك تحاول جاهدًا تماسك نفسك ليتماسك بك الآخرون، ولكن لا تزال متسمرا مكانك أحداث كثيرة تدور في ذهنك تكبيرة الأذان وأنت تؤذن في أذن أيهم وهو خارج إلى الدنيا، محاولة أيهم التحدث لأوَّل مرة ومحاولته لمشي الخطوة الأولى، تفاصيله الصغيرة وأول كرة اشتريتها للأيهم وكيف كان محبا لتلك الكرة، مراحل حياته القصيرة شغفه وحبه للحياة تعليمه ونشأته إلى خبر نجاحه وأنه قد التحق بالكلية التقنية بعبري وفاصلة يعقبها أحداث أخرى.

في يوم السبت وككل سبت ودع الأيهم ذويه متوجها إلى الكلية بعبري ولم يكن يعلم أنه الوداع الأخير كان أيهم يستعد لخوض إحدى البطولات الكروية وكان يعشق الملاعب ويحب الرياضة منذ نعومة أظفاره توجه الأيهم بصحبة زملائه من ولاية عبري إلى ولاية ضنك لخوض مباراة تنافسية استعدادا للبطولة التي ينظمها ناديه بهلا لفرقه الأهلية، وكان التوجه الأخير وكان المشوار الأخير وكانت المباراة الأخيرة، نام أيهم في الملعب المكان الذي يحب البساط الأخضر المعشب الذي ركض كثيرا على أرضيته نام ولكنه لم ينهض بعدها ولضعف وقلة توافر الكادر الطبي والإسعافي في ملاعبنا لم يصحَ أيهم من نومه كان نائما بعمق لم يستفق حاول الجميع إيقاظه  لكن أيهم لم يستمع لأي أحد.. حل الصمت وتعالت الصرخات وضجَّ الملعب في ثانية أيهم استفق لكن قلب أيهم قد توقف في نومته الأخيرة رحل بهدوء مثل مخلد المخلدي، خليفة بن حجي وعلي بن حمير وآخرين ممن كانوا ضحايا الملاعب التي ينقصها أقل درجات السلامة وينقصها الاهتمام وينقصها المراعاة وعدم الاكتراث لأرواح اللاعبين الذين رحلوا بدون إسعاف ووصلوا للمستشفى جثة هامدة.

كان لؤي وزياد ولمى وإياد يبحثون عن الأيهم في غرفته، وإخوته يتساءلون أين الأيهم ولماذا لا تزال غرفته مُظلمة وما سبب تأخره عن القدوم وعندما لا تتمالك والدته نفسها وتنهال دموعها يقولون لها لا تبكِ يا أمي إن أيهم ذاهب للجنة وفي مكان أفضل، كيف للأطفال الصغار أن يواسو الكبار لأنَّ قلوبهم لينة طرية وربما لأن إدراكهم مختلف ولا يشبه إدراكنا للأمور إلا أنَّ الرحيل الصعب في فجر الأربعاء كان أصعب رحيل يمر على قلوبنا ها أنا أقف ها هو أيهم يقترب مني ولكن ليس ككل مرة ولن ينزل من السيارة للسلام عليَّ وتقبيل رأسي ورأس أمه ولن يحتضن زيادا وإيادا ولؤي ولمى ولن يسلم على أهله ولن يستفيق فهي آخر مرة يعود فيها إلى المنزل ولكنها مختلفة فأيهم لن يدخل المنزل ليذهب إلى غرفته ولم يجلب أغراضه وملابسه وأحذيته الرياضية والكرة إلى الغرفة هو أتى بدون هاتفه وبدون أية مقتنيات ماذا حدث أيهم استفق إني أنا من يقبل رأسك هذه المرة أيهم أمك ستسلم عليك ستقبل رأسك ستحضنك كما كنت صغيرًا.

رحل الأيهم بن مؤمن بن قلم الهنائي ذو الـ21 عامًا في أحد ملاعب ولاية ضنك وفاضت روحه إلى بارئها وعاد إلى المنزل جثة هامدة، لكن روحه لا تزال تحلق في سماء ولاية بهلا سعيدة بالانتصار الذي حققه رفقته وزملاؤه واستحقاقهم للبطولة.