خليفة بن عبيد المشايخي
عُمان أول قطر خليجي وعربي تُشرق عليه الشمس في الوطن العربي، ممثل ذلك في تلك البقعة الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، ولم تتأخر يوماً الشمس عن إشراقتها على عمان وأهلها منذ أن خلق الله تعالى الأرض ومن عليها، وعمان البلد ذو التاريخ المعاصر والحديث، كان لها نفوذ امتد من شرق أفريقيا حتى غرب القارة الهندية، ناهيك عن أسطولها البحري القوي، الذي كان قوة لا تضاهى ولا تنافس، ووصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يأتي أهلها رزقهم رغدا من كل مكان، بحسب سعيهم ووضعهم آنذاك.
فكانوا إن ركبوا البحار والمحيطات، وجابوا الشرق والغرب والسند والهند، واتخذوا من البحر مصدر رزق وفير لهم، سواء كان ذلك على مستوى صيد الأسماك واللؤلؤ، أو غير ذلك من المهن والصناعات الأخرى المختلفة، ومجالات التجارة التي كانت تتكاثر على الأرض العمانية عن طريق البحر يوما بعد آخر، فكانت بحمدالله الزيادة تتحقق في أرزاقهم، وتعم البركة فيها وفي أشيائهم وممتلكاتهم، لأنَّ أهلها ليسوا ولم يكونوا يوما أصحاب بطر وكبر وكفران بالنعم، بل كانوا شاكرين حامدين قانعين، وكانت النتيجة " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ".
نعم.. لقد مضت عمان تنام وتغفو على حلم معزز بالآمال والتطلعات بأن يتحقق عليها يوما خير كبير وكثير، وهكذا سارت الحياة طبيعية ولم يترك العماني حلمه كما أنه لم يترك أرضه، فكانت المحاصيل الزراعية والواحات الخضراء الغناء، تحف البلاد أينما يممت وجهتك ودلفت صوب أي شطر، ولم تكن حسابات الأشهر والأيام لدى العمانيين، تنبؤهم بموعد فجر جديد سيطل على عمان وأهلها، فجر يجعل شعبها في حياة جديدة، ويعطيهم أملا جديدا للمستقبل.
فقبل 52 سنة من الآن، كانت عمان تعيش أوضاعا إنسانية صعبة، وظروفا استثنائية حالكة مرة، حتى جاء شهر الحادي عشر، وولد فيه السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- فبمولده استنارت الأرض، وزهت الربوع والفيافي والحارات والمدن، وحق لها ذلك طول وعرض، فيارب لك الحمد والشكر على ما أنعمت وأوليت.
انقضت 52 سنة من عمر النهضة سريعا، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه الأمس باليوم، 52 سنة حفلت بالعديد من المنجزات والخيرات، وتوسعت فيها النعم والبشارات، وكثرت المكرمات عاما بعد عام، فمن مدرسة واحدة وتعليم تحت ظلال الشجر، إلى جامعات وكليات ومدارس كثيرة في السهل والجبل، ومن مستوصفات ومراكز صحية صغيرة تقدم رعاية طبية بسيطة، إلى مستشفيات كبيرة عمت السهل والوادي والجبل.
وكان للحادي عشر من نوفمبر أهميته وأفراحه وبهجته وما زال، فتلك البيوت التي كانت قديما من الطين والخوص أي سعف النخيل، كان ساكنوها آنذاك يتمتمون ويتحدثون ويستعدون لمقدم عيد الجلوس، وكان رغم بساطة الناس وقتذاك، إلا أن الولايات بكبرها، كانت تخرج في صبيحة يوم الثامن عشر من نوفمبر، إلى ساحات الاحتفال بعيد الجلوس، أمام مكاتب أصحاب السعادة الولاة، وكان- طيب الله ثراه- يشرف المناطق بزياراته السامية ورعايته الكريمة لتلك الاحتفالات التي كانت تتميز بالكثير، ويأتي فيها كل ما هو جديد ومبهج ومفرح لنا كعمانيين.
ففي تلك الأيام لم يكن يمر عيد الجلوس دون أن ينعم فيه السلطان قابوس طيب الله ثراه بمكرمة سامية على أبناء الوطن، كزيادة راتبين مثلاً أوغيرها من المكارم التي كانت تمس عيشة المواطن البسيط، جعلها الله تعالى في ميزان حسناته.
وحينما نقول إن لرقم الحادي عشر مصادفة لدى العمانيين، ففي الحادي عشر من يناير من عام ألفين وعشرين للميلاد، تولى مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد، فشهدت عمان في هذا العهد الحديث، نهوضا على صعد كثيرة، ونُقلة في حاضرها ومستقبلها تمثلت أولاً في السير على نهج ذلك الرجل الباني المؤسس السلطان قابوس- طيب الله ثراه.
إن الحكمة السياسية التي يتحلى بها سلطان البلاد جلالة السلطان- أعزه الله- أتت بنتائجها وثمارها الطيبة، منها أن حافظت أولا على تنمية البلد واستقرارها، واستكمال بناء دولة حديثة متجددة، هي دولة المؤسسات والقانون والمساواة في الحقوق والواجبات.
إن جهود جلالة السلطان المفدى لقيادة عُمان عبر برامج طموحة تعنى بالتنمية وترسيخ بناء مؤسسات على قاعدة واعية مستنيرة تلبي حاجة المواطن في كل مكان، لهو تدرج مشهود وأمر ملموس معهود من لدن السلطان سليل السلاطين، وعمان إذ تعيش هذه الأيام فرحة ذكرى يوم الثامن عشر من نوفمبر المجيد، لترفع أكف الضراعة إلى المولى عز وجل، بأن يدوم الرخاء علينا ويستمر، ويعم الخير فينا وبنا وعلينا وينهمر، ونسعد في أرضنا حالا ومالا وكل شيء عندنا بإذنه تعالى يعتمر، وحفظ الله عمان وأهلها وسلطانها في عزة ونصرة وتأييد من لدن رب العالمين.
وبهذه المناسبة.. أرفع خالص التهاني وأصدقها إلى مولاي جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله تعالى- سائلًا الله رب العرش العظيم، أن يعيد على جلالته هذه المناسبات والأيام، وهو في خير وصحة وعافية وسلامة، وعمان في أمن وأمان وخير كثير مستدام. وكل عام وجلالته والعمانيون في خير وبخير وتوفيق وعفو وعافية، ومن حال حسن إلى أحسن منه، ومن وضع أفضل إلى آخر أفضل منه بقدرة الواحد الأحد الفرد الصمد.