خليفة بن عبيد المشايخي
حينما خلق الله تعالى الإنسان كتب رزقه وسعيد هو أم شقي، وفقير أم غني، وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه قال "ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ"، ونفهم من هذا الكلام، أن الإنسان بعد ولادته وأثناء مسار مراحله العمرية، يتأثر بوالديه من حيث ديانتهم وسلوكهم وتعاملاتهم ومعاشراتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وما يأتون به وما يذرونه، إلى غير ذلك من هذا الكلام، كذلك هذا الإنسان المخلوق الضعيف الفقير والعبد لله تعالى، يتأثر بالبيئة التي تحويه، وكذلك بالبيئات المُحيطة به.
ومن خلال هذه المقدمة، أردت اليوم أن أتحدث عن موضوع مهم يشغل بالي كثيرا، وبال المهتمين العقلاء، من مختلف الثقافات والديانات والتوجهات الإسلامية، وهذا الموضوع هو، ألا يمكن في يوم من الأيام أن تنعدم المشاكل والشكاوى بيننا كبشر، وأن تكون محاكمنا وسجوننا خالية من المتقاضين والسجناء، وأن لا يكون هناك مدعِ ومدعى عليه ومتهم إلى غير ذلك من المسميات.
حقيقة الذي يدخل المحاكم والسجون سيرى العجب العجاب من الحالات المنظور فيها، فالذي لم يدخل هذين المكانين يعتقد قبلا أن الأمور طيبة، والناس تعيش بحب ووئام وسلام واحترام وتقدير لبعضها البعض، وأنه لا يوجد أحد في السجون ولا يوجد متخاصمون أصلا بهذا القدر اليومي، فالمحاكم اليوم وضعها يستدعي التوقف عنده ودراسته واستنباط الحلول بسبب المشاكل والقضايا التي تتداول بها يوميا، لأنها لا تخلو أبدا من الناس، وتعج بالمتقاضين والمدعين من مختلف الثقافات والأجناس والمقامات، وعلى ماذا؟ على أشياء الدنيا التافهة!!
حقيقة أقول لنقف قليلا مع أنفسنا ونتساءل: ما سبب تشاكي الناس وتقاضيهم وهذا الذي يحدث في محاكمنا يوميا؟
نعم المولى عز وجل جعل الحق والباطل وجعل بينهما صراعًا واختلافًا إلى أن تقوم الساعة، وخلق الخير والشر، ولكن كولي أمر لو حدثت مشاكل بين أبنائي، ألا ينبغي دراستها ومعرفة أسبابها وحلها وإنهائها لأنها سترهقني، وسأقف أمام ربي يوما وسيسألني عنها، وكولي أمر يجب أن أسعى في ألا يكون هناك أصلا بين أبنائي شحناء وبغضاء وكره وعداوة. وينبغي عليَّ كولي أمر إذا قامت هذه المشاكل في بيتي ومعي، أن أجلس مع نفسي وأقول، ما سبب وجودها ونشأتها معي وفي بيتي، وبيني وبين زوجتي مثلا أو أخي أو أختي أو جاري أو صديقي أو أو أو.
ويا ترى لو كان هذا الجهد والحراك المتمثل في التزاحم والتقاضي والمشاكل التي تكون بين الناس يوميًا، يكون من أجل إحياء الدين ووجود الدين في الناس كافة، هل ستكون هنالك مشاكل وقضايا وشكاوى أصلا.
حقيقة أقول: لو كان الدين الحقيقي في حياتنا موجود وامتثالنا لأوامر الله تعالى على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم متحققة فينا ونعمل بها، أعتقد- بل متأكد- أنه لن تكون هناك محاكم ومتقاضون ومشاكل ومتقاضون أصلا.
وأعطيكم مثالا بسيطا هل رأيتم وسمعتم عن مشايخنا مشايخ الدعوة والدين التقاة الأجلاء عنده مشكلة في بيته أو في عمله أو حد شاكٍ عليه أو على أولاده، أو أن أم أولاده طالبة الطلاق مثلا أو أو أو.
قطعا لن نجد، طيب، لماذا لا نجد هذه المشاكل الموجودة اليوم في محاكمنا وسجوننا موجودة مع مشايخ ديننا الثقة التقاة أصحاب الورع والزهد والصلاح والتقوى والدعوة والخوف من الله تعالى وامتثالهم لأوامر الله تعالى على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، سواء هم أو أولادهم. الجواب ببساطة لأنهم عرفوا الله تعالى ورسوله حق المعرفة وعرفوا وفهموا ماذا قال لهم فطبقوا وجاهدوا النفس على ذلك، لأنهم جعلوا أوقاتهم كلها لله سبحانه وتعالى، لأنهم راقبوا الله ورسوله في السر والعلن وفي كل شاردة وواردة وعرفوا وتيقنوا وفهموا الآية الكريمة "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ". كما إنهم طبقوا الحديث الشريف "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهم لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي"؛ لأنهم ببساطة اتبعوا أوامر الله جل جلاله والحبيب المصطفى صلى الله عليه اتباعًا حقيقًا، فيه صدق الطلب وصدق العمل وصدق اليقين وحقيقته على ما قاله الله جل جلاله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
اليوم عندنا مشاكل في الاقتصاد ومشاكل في الرواتب ومشاكل في الزراعة ومشاكل في الصناعة ومشاكل في التربية ومشاكل في التعليم ومشاكل في الصحة ومشاكل في الأسرة وفي المجتمع، والبعض عنده مشاكل الدنيا الفانية كلها، طيب لماذا وجود هذه المشاكل كلها؟
أظن أيها القارئ تتفق معي في أن هذه المشاكل والقضايا، لا يحلها إلا الرجوع إلى كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة لن يصلحها إلا وجود الدين كاملا مكملا في حياة أصحابها ومنتسبوها على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، فالله نسأل أن يعلمنا ويفهمنا ويشرح صدورنا ويعجل بصلاح حياتنا كلها قبل أن نعود إليه جل جلاله ونحن صاغرين نادمين ودمتم.