الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)
(1)
هل حقا سيكون كل شيء على ما يرام؟
سأخون وطني!! وما الخيانة وما الأمانة أليسا نقيضين؟
اخترقت رصاصة الرعب الفولاذية طبلة أذني لتستقر في رأسي الأحمق، هل سأخون وطني حقًا؟! عفريت ساذج يقفز أمامي بفرح ويصرخ بكل قوته: "نعم ستخونه يومًا إن لم يكن الآن فغدًا".
امتدت ذراع الجهالة وأمسكت بالعفريت وقالت بعفوية: "أنت متفائل جدا، وهذا بديهي لأنك مجبولٌ على انعدام الإحساس لعل البلاهة متأصلة في العفاريت".
(2)
عفريت يشي بالخيانة، والجهالة رصينة وحصينة.
الجهالة: "انظر إليه يتقلب في سريره هل تظنه يحلم بالخيانة أم يرسم آليتها؟
تشدقت أسارير الجهالة نظر، ثم قدَّر، ثم فكَّر، ثم سأل واستفسر: "أخبرني أيها العفريت الشقي ما الفرق بين عربي يشرب الخمر وعربي يأكل التمر وعربي ينفذ الأمر؟
أطرق العفريت وحدَّق في الجثة المستلقية على السرير رفع رأسه وأجاب: "الجهالة"، بتهكم مبالغ به، وأضاف: "أما العربي شارب الخمر، فهو راقٍ يشرب الحرام ولا يفعل العيب هو بالتأكيد سكير هاي كلاس. أما العربي آكل التمر فهو يخشى العيب علانية وينغمس فيه سرًا. أما العربي الذي ينفذ الأمر فسيكسر القاعدة يومًا وبكل قوة، ولكن في الخفاء عندما يكون وحيدًا في دار الخلاء".
قهقهت الجهالة قائلة: "قاتلك الله يا ابن الأباليس، كيف خلصت لذلك، هيا أخبرني عن جثتنا هذا لماذا يريد أن يخون وطنه؟".
(3)
لا أملك وطنا ولا سلاحًا أبيضَ.
الجهالة: "انظر أيها العفريت ألا ترى أنه يمسك بيديه سكينًا، يا ترى لم يمسك سكينا؟".
العفريت: "أيتها الجهالة المتحذلقة المتفلسفة الفاسقة، ألا ترين أن سرير هذه الجثة مرتب وغرفته أرتب والأرض مصقولة ولامعة وكل شي فاخر، ولكن كل ما هو خارج هذه الجدران يرثى له بالٍ وقذر يا ترى لمَ؟
هزت الجهالة رأسها ساخرةً من العفريت، وقالت: "صدقا ألا تعلم؟ أن العربي يملك كل شيء في جدران غرفته ولا يملك شيئًا خارجها، فلم عليه أن يحافظ على شيء لا يملكه".
وافق العفريت الجهالة: "نعم ذلك صحيح.. إذن هل تعتقد أن السكين هبة أم هدية؟".
تهكمت الجهالة: "بداية الشرور الجوع والحاجة، وستتحول إلى سكين بنهاية المطاف".
(4)
السلم للنزول.. لا تصعد عليه!
تأفف العفريت: "أتعلم كم لنا من الوقت ونحن ننظر إلى هذه الجثة التي لا تستفيق أبدًا، وإلى الآن لا نعلم هل سيخون وطنه أو لا"!
امتعضت الجهالة وقالت: "كنت أعلم أنك نزق وعجول وكأنك تستعجل صعود السلالم، ولكن تنسى أن بعض السلالم ليست للصعود وإنما للنزول".
هتف العفريت "ها نحن مرة أخرى نعود لذات الفلسفة المقيتة".
قاطعت الجهالة العفريت: "توقف.. هيا أخبرني بماذا يفيدك أن تعلم أنه سيخون وطنه أو كيف يخون وطنه؟".
العفريت: "لا يهمني كيف ولماذا؛ بل يهمني أكثر هل سيكون مثلهم، كالمدرسة التي تحرِّم الغش على الجميع وتساعد ابنتها على الغش على مرأى ومسمع الجميع، أم هل سيكون كالمدير الذي نصب عشيقته مساعدة المدير، أم سيكون مثل ذاك المنافق الورع يدّعي التقوى وهو عنها أبعد كبعد المريخ عن الزهرة أم سيكون مثل .....".
قالت الجهالة بقرف: "تمهّل على رسلك.. إذا استرسلت في سرد كل هؤلاء وغيرهم، فستتقيأ بطن الأرض من كثرتهم لأنهم قابلون للنسْخ والتكاثر وغير قابلين للانقراض"!
العفريت برتابة: "أريد أن أعرف فقط هل سيخون أو لا إن الفضول يقتلني".
ابتسمت الجهالة: "أتعلم يا عفريتي الماجن، أن الأمل لا علاقة له بالمنطق، لذلك صممتُ السلالم للصعود عكسًا".
(5)
النبأ الرهيب!
تقلبت الجثة وتململت ثم انتفضت واستيقظت نظرت حولها برعب وهلع.. حديث الخيانة مقلق ومفزع، وغالبا ما ينتهي بك معلقاً على حبال المشانق تتأرجح! ضحكت الجثة الحية وهتفت: وجدت جريمتي، وتهمتي وخيانتي، إنه كتاب محمد الماغوط "سأخون وطني"!
سُحقًا لعفاريت القيولة وجهالتها المقيتة، كدتُ أفقد رأسي في أحد كوابيسي.. رنت ضحكات ساحقة وماحقة...
لكن أتعلمون أن "الذي لم يضحك لم يسمع بالنبأ الرهيب" (برتولت بريشت، شاعر ومخرج مسرحي ألماني).