ليلى في العراق تتشافى

 

خالد بن سعد الشنفري

 

أسماء خليل.. فتاة عراقية قتل شقيقها الضابط بالجيش العراقي في انفجار عبوة ناسفة من بقايا الحرب، تقول: كلما أزلت مزيدًا من الألغام خفَّ ألمي بفقدان أخي وفقدان ضحايا هذه الألغام التي تهدد أطفال العراق وشعبها.

لم تتمارض أسماء كما فعلت جدتها ليلى، التي تيمت مجنونها قيس بن الملوح ليسمعها ما يُطربها من الغزل:

يقولون ليلى في العراق مريضة

فيا ليتني كنت الطبيب المداويا

تمر الليالي والشهور ولا أرى

غرامي لها يزداد إلا تماديا

تعالت أسماء خليل عن سماع كلمات المُواساة وحتى الغزل من أي "مجنون ليلى" رغم أنهن بطبعهن يغرهن الثناء، بينما فضلت مُداواة جراحها بمنع حدوث أي جرح جديد آخر لأي عراقي نتيجة لغم مزروع أو عبوة ناسفة غُرست بأرض العراق؛ لتنثر أشلاء طفل أو تقتل أبًا أو أمًا يُكلم بهما أبناؤهما، فقررت نزع هذه الألغام وهي تعلم مدى خطورة ما ستُقدم عليه، وأنها لن يكون بينها وبين الموت شيء وهي تقوم بذلك. لعَمرُك إنِّه لعملٌ ترتعش أمامه فرائص الرجال فما بالكم بالقوارير؟! مرحى أسماء وبخٍ بخٍ لكِ يا أخت الرجال، ويا من هالها ما عرفت أن أكثر من نصف مليون لغم مزروع فقط في الأجزاء الشمالية في العراق، حرمت مزارعيها زراعتها أو الاقتراب منها، خوفًا من أن تزرعهم هذه الفخاخ أشلاءً في أرضهم، قبل أن يزرعوا هذه الأراضي.

إن أكثر من 50 مليون مقذوف من مخلفات الحروب على العراق- حسب آخر التقارير- ما زالت تحصد وتقتل وتشوه كل عام أكثر من 50 شخصًا، ففي الخمس سنوات الأخيرة فقط قُتل وأصيب أكثر من 500 طفل عراقي بريء، بينما تزهق هذه الألغام أرواح ما يزيد عن 50 عراقيًا سنويًا.

أسست أسماء خليل أول فريق نسائي عراقي مكون من 5 ماجدات عراقيات لإزالة هذه الألغام والعبوات تطوعًا، بعد أن تلقت تدريبًا من المؤسسة السويسرية لمكافحة الألغام في ظل الشح العربي حتى في هذا الجانب، وانشغال جيش العراق بهمومه الداخلية.

مرحى مرحى أسماء "ليلى العراق المعاصرة" التي تعافت من مرضها وعافت غزلنا وتغزلنا بها، لقد أثبتِ أنتِ ورفيقاتك الماجدات أنكن ماجدات عملًا لا قولا وبعثتن بأروع رسالة من عراق العروبة إلى كل العراقيات وكل فتيات ونساء العرب ورفعتن صرخة مدوية، لكنها هذه المرة ليست "وا معتصماه" استغاثة بل رسالة لكل معتصم فينا، وكل من يدعي الفزعة والنجدة العربية منِّا وكل من ربى شاربا أو شنبًا يحلف عليه وكل "زول" و"زنمي" و"سي السيد" فينا.

 

لقد أخجلتنا يا أسماء وأنت تقفين شامخة كنخلة في أرض العراق وتتمخطرين كسنديانة وسط حقول الألغام ماسكة بمجس استشعار الألغام بيدك اليمنى وثانية اليسرى خلفك وتنحنين بكل جلال وجمال رغم حملك الثقيل للسترة الواقية من الألغام وقناع الشظايا الضخم على رأسك لتلتقطي اللغم الذي اصطدته ورفعته عن الأرض بكل شجاعة وثبات وكأنه زهرة. لم تنتظري فارس أحلام يهديها لك، سلمت يمناك ويسراك اللتين فعلتا ما لم تفعله كل أطرافنا، فقد أصبحت كل أيادينا وأصابعنا مشلولة عدا عن انشغالها بأزرار الهواتف الذكية تتنقل بين جروبات الواتس والانستجرام وقنوات البث المباشر للتفرج على أخبار العالم الذي يغلي من حولنا ولكنا لا نستشعر غليانه؛ لأننا نراه فقط من خلف شاشات تحجب عنَّا الوهج وكأننا شاهد على العصر "ما شفش حاجة"!